دكتور بن الخطاب أبو زيد يكتب: سعيد محمد محمود دعاش حلتنا
دكتور بن الخطاب ابو زيد
كأنني أستمع الى أستاذي الرجل الطيب سعيد محمد محمود وهو يقف بكامل هندامه وأناقته المعهودة يردد ويقول في طابور الصباح والصباح رباااااح
على أكتافنا يبلغُ المجدَ غيُرنا …
وما نحنُ إلا للتٌقدم سُلٌم …
صِغارٌ تربيهم على مِثلِ عقولهم …..
ونبنيهم لكننا نتهدٌم …..
…..أنكسر المِرقْ واتشتت الرٌصاص ……..
معلم الأجيال وصانع الأبطال أستاذي الأنيق ( سعيد محمد محمود ) تُحلٌق روحه الطاهرة في جنات الله الوريفة …
نعم فلقد كان له من إسمه نصيب ، عاش سعيداً في دنياه ، محمدياً في منهجه واخلاقه وسلوكه ، محموداً في خِلاله وصفاته وعطاياه وما أنا ، أنت ، نحن ، أنتم ، هم وهنً الا واحدةً من حسناته التي لا تُحصى ولا تُعد ، فإلى جناتٍ الخلد ، والأثر الصالح يدل على المسير والنبت الحسنْ يا صاحب القلب الكبير والمقام الرفيع ….
بينما كنت أقلبُ صفحاتِ بريدي الإلكتروني حتى وقعت عيني على رسالة وردت إليٌ من دنيا التواصل الاجتماعي الذي يعجٌ بالغثٌ والنفيس ، رسالة من أخي الحبيب الأستاذ ( نوري محكر ) ، رسالةٌ نعى اليٌ فيها أستاذي الجليل ، المرحوم سعيد محمد محمود ، عندها أظلمت الدنيا امام ناظري من شدة وقع الخبر المؤلم المحزن ، لكني لا أقول إلا ما يُرضي الله وإنا لفراقك يا فارس الحبوبة لمحزونون
كم هي قاسيةُ هذه الدنيا ومؤلمةٌ حد الوجع ، لحظات سماع خبر موت عزيز ، خبر مزعج للغاية لأنه يستقر ويختزن ويخلد هناك في القلب والذاكرة والوجدان ….
المربي المرحوم شيخنا سعيد محمد محمود فارق الحياة بعد مسيرة عطاءٍ عريضٍ ومشوار حياة عامرٍ بالبذل ، عاش الأستاذ سعيد محمد محمود بين اروقة المكاتب وأسوار السلك التعليمي والعمل التربوي والاجتماعي ، خلٌف وراءه سيرة عطرة وذكرى طيبة وروحاً نقية وميراثاً من القيم والمُثُل النبيلة لذلك سيظل خالداً في دواخلنا بأعماله ومآثره وسيرته النقيه ، كان نبراساً وقدوة لنا ، كيف لا وألسنةُ الخلق أقلام الحق ….
أستاذي المرحوم سعيد يا أيها الانسان الطيب ، يا نبع المودة من ذلك النهر المتدفق حباً وعلماً ، يعز علينا جدا فراقك في وقت نحتاج فيه الى أمثالك من الرجال الأوفياء الصادقين ، فمهما كتبنا عنك من كلمات رثاء وسطرنا من حروف حزينة باكية لن نوفيك حقك لما قدمته لنا من علم وتربية وجهد وتفانٍ لتغرس فينا تلك القيم الفاضلة ، علمتنا الأخلاق وغرست فينا حب العلم والمعلم والمعرفة ونمٌيت في اعماقنا قيم المحبة والخير والانتماء والإيثار .
والدي المرحوم المعلم الأنسان الحاج آدم أحمد محمد ابوزيد تجمعه بأستاذنا الوقور سعيد محمد محمود صلات جميلة وذكرياتٌ وقيمٌ رفيعة ومحطاتٌ خالدة والشاهد على ذلك عندما التحقنا نحن أبناء المرحوم الحاج آدم أبوزيد لندرس الابتدائية بمدرسة الفاشر الشمالية الابتدائية ( ج ) وذلك لما تتميزُ به تلك المدرسة من سمعةٍ طيبة في أوساط الاهل والعشيرة في مدينة الفاشر
تفيأنا ظلالها الظليلة نحن ابناء المرحوم المعلم حاج آدم ابوزيد ، شخصي الضعيف واخي العزيز محمد المنتصر ، وشيخنا المهذب أحمد الشاكر والدكتور محمد العالم ، كان ذلك في العام ١٩٧٣م…..
ولما قوِي العود واستوى ، ونهلنا من معين الشمالية ( ج ) العلم والمعرفه قرر والدي رحمة الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته أن يذهب بنا الى مدرسه ( الفاشر الشماليه الابتدائيه (ب) التي كان يدير شأنها وقتئذاك الأستاذ سعيد محمد محمود بتواضعه الجم وعلمه الغزير وأدبه الكبير …
دلفنا اليها نحن أبناء المرحوم الحاج آدم أحمد أبوزيد لنواصل رشف العلم من مظآنٌه ومعينه الذي لا ينضب ولنختلق بأخلاقه الفاضلةِ ، كان ذلك في العام ١٩٧٨ – ١٩٧٩ ميلادية وإمتحانات الشهادة الابتدائيه على الأبواب .
ولما حان وقت أمتحان الشهادة الابتدائيه للعام ١٩٧٩ كان عدد التلاميذ الجالسين للامتحان من مدرسة الشماليه ( ب ) يومذاك ( ٥٣ ) تلميذ إذا لم تخونني الذاكرة
ثم كانت المفاجاة الكبرى هي نجاح كل تلاميذ الصف السادس في المدرسة نجاحاً باهرا شرٌف مدينة الفاشر ووضع على جبين المعلم الراسخ الاستاذ المخضرم سعيد محمد محمود قلادةَ شرفٍ وتاجَ عزٌٍ في جبينه الأغر البهي
نجاحٌ لم يسبق له مثيل من قبل في المدينه العريقة بأحيائها المتعددة وأرباعها المنتشرة حيث أحرز آخر طالب في الفصل ( ١٨١ ) درجة من مجموع ( ٢٤٠ ) درجه ، فما كان من وزارة التربية والتعليم إلا أن ترصع ذلك المجهود الجبار وتُغيٌر في أسم المدرسة من (((((مدرسة الفاشر الشمالية الابتدائية ب )))))) لتصبح ((((((مدرسة النجاح النموذجية )))))) …. وياله من نجاح عريض
جاء ذلك النجاح الباهر بفضل تضافر جهود أستاذةٌ أجلاء أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أستاذنا المحترم ( سيد تاتيبه ) الذي كان يدرسنا مادة اللغه العربيه أو مادة العلوم على ما يبدو لي ، جاء هذا التتويج المقدر بفضل جهدهم وفكرهم ومهارتهم ، وبذلك إستطاع المرحوم الاستاذ سعيد محمود ان يصنع من ( الفسيخ شربات )
قضى الاستاذ المرحوم سعيد وقتا طويلا يعمل في مجال التربية والتعليم ، عرفه كل مجتمع اهل الفاشر بأنه معلم هادئ متسامح قنوع ملتزم بانسانيته ، لذلك حمل الامانة باخلاص واعطى الناس كل جهده وخبرته وتجربته وحبه لهم
تمتع أستاذنا سعيد محمد محمود بخصال ومزايا حميدة ، منها إيمانه الصادق وحبه لمهنة التدريس ، دماثة الخلق وحسن المعشر وطيبة القلب ، تميز كذلك بلين المعشر والتواضع الذي زاده احتراماً وتقديراً ومحبة في قلوب تلامذته وطلابه وكل من عرفه والتقى به ، وهل هناك ثروة يبقيها الانسان بعد موته أكثر من محبة الناس له وذكرهم له بالخير .؟
عاش أستاذنا سعيد محمد محمود رسول علم ومعرفة وجدول عطاء متدفق ، فكان نعم الأب الحاني والأخ الودود والصديق الصدوق ، كان قدوة ونموذجاً ومثلاً يحتذى به في البساطة والوداعة والرقة والعطف والحنان وعمل الخير وسمو الاخلاق وطهارة النفس والروح ونقاء القلب والعفوية والتسامح والأناقة ، اعطى كل ما لديه وما إستبقى شيئا دون كلل أو ملل في أداء مهنتة التي تُعَدٌ من أصعب المهن وأعظم الرسالات ، رسالة العلم والتربية بما تحمله في طياتها من المعاني لأنها تهتم ببناء الانسان وبناء الوطن وبناء المجتمع .
لقد غيب الموت أستاذنا ومعلمنا الحبيب الغالي ، لكنه سيبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد هذه الحياة ، ولن ننساه
نم في مرقدك مرتاح البال والضمير فقد أديت الامانة على أحسن وجه والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون ، بل ستبقى ذكرياتهم عطرة تلطف سماوات الإبداع يا رجل يا مبدع
أحر التعازي لكل الاهل والعشيرة أينما كانوا وحيثما حلٌو وهلو ، ثم أعزي كذلك أبناءه الاحباب الأخ كمال سعيد ، والاخ دكتور أمين والأخ ياسر سعيد ، ودفعتي الأخ محمد سعيد ، ثم أعزي أخي العزيز الصحفي المميز عبدالمنعم احمد العسيل الذي كلما اقابله أطلب منه أن يبلغ استاذي المرحوم سعيد أحر السلام ، ثم التعازي لكل أهل البيت وكل الأعمام والعمات والأسباط والأحفاد والبنات وكل من يعرف هذا المعين الذي لا ينضب