السبت, مايو 24, 2025
الرئيسيةمقالاتمحمد علي احمد يكتب :الشعب السوداني بين السيادة و الإبادة

محمد علي احمد يكتب :الشعب السوداني بين السيادة و الإبادة

محمد علي احمد يكتب :الشعب السوداني بين السيادة و الإبادة

منذ بداية الحرب الدائرة في السودان وجد المواطن السوداني الأعزل نفسه في مواجهة ويلات القتال بين طرفين يقتتلان في حرب ضروس كان هو أول ضحاياها فقد انطلقت أول طلقة داخل عاصمة البلاد ثم اشتعل القتال في المدن الرئيسة و مع تمدد الحرب إلى ما يقارب السبعين بالمائة  من مساحة البلاد و على مدى يقترب من العامين انتهجت خلالها ميليشيا الدعم السريع أسلوب حصار المدن التي لم تتمكن من السيطرة عليها وقطع الطرق القومية لتتحكم في إمدادات السلع و البضائع لتنهب ما تريد من أقوات الناس و لتضع حياة المواطنين تحت رحمتها بينما اختار الجيش استهداف مواقع الميليشيا بالقصف المدفعي و الصاروخي إلى جانب الضربات الجوية في رده على الدعم السريع و الذي سارع بالسيطرة على مواقع إستراتيجية في الخرطوم العاصمة و في بقية الولايات فتضررت حياة الناس وأصبح معظم الشعب السوداني بين لاجئ و نازح و قتيل و من نجا من هذه و تلك ظل مذعوراً و خائفاً يترقب هجوماً للميلشيا و ما يعقبه من انتهاكات و تنكيل و تقتيل أو غارةً جوية مدمرة ً من طيران الجيش وهو في معزل عن العالم في ظل انقطاع الكهرباء و المياه و ندرة خدمات الاتصالات , هكذا غدا حال من بقي داخل البلاد و تقطعت به السبل و لم يستطع الوصول إلى المناطق الآمنة حيث ينتظره غلاء أسعار السلع الضرورية و الزيادة المطردة في قيمة إيجارات المساكن و ارتفاع كلفة التنقل و شح الرعاية الطبية لمن يحتاجها دون أي تدخل من الجهات الرسمية لتخفيف معاناة النازحين وحمايتهم من الابتزاز و الاستغلال و لا ننسى ما يكتنف السفر من خطورة و مشقة و احتمال التعرض للنهب و الابتزاز من مقاتلي الأطراف المتحاربة, تترافق كل هذه التداعيات المهولة مع تدمير لمعظم البني التحتية و فشل للمواسم الزراعية لعامين متتاليين في أهم الأقاليم الزراعية بالبلاد ليصبح نقص الغذاء هو المهدد الأخطر لحياة الناس بعد نيران الحرب يُضاف إلى ذلك فشل مساعي إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين بسبب تعنت الأطراف المتحاربة في ظل تقارير موثقة عن انتشار بيع مواد الإغاثة بصورة علنية داخل السودان و عبر حدوده لدول الجوار بالإضافة إلى استخدام تجويع المواطنين المدنيين كسلاح من قبل المتحاربين و لعل ما يزيد هذا الواقع القاتم بؤساً و فظاعةً ارتفاع عدد الضحايا من القتلى و المصابين من المدنيين منذ أواخر العام المنصرم و حتى تاريخ كتابة هذا المقال  حيث شملت إحصاءات الضحايا نسباً عالية من النساء و الأطفال و المسنين الذين سقطوا بنيران الميلشيا التي لم تعد تخفي حملاتها الانتقامية على المدنيين و التي بلغت مرحلة الإبادة الجماعية و جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية حسب رصد المنظمات الدولية المختصة و تصنيف حكومات غربية و من الناحية الأخرى لم يسلم المدنيون من قصف مدفعية الجيش و ضرباته الجوية العمياء أو براميله المتفجرة الرعناء. كل هذا المشهد المثقل بالفظاعة و البشاعة لم يشفع للمواطن السوداني لدي أطراف الحرب لكي يلتفتوا إلى معاناة ملايين المدنيين فيلتزموا على الأقل بمبادئ قوانين الحروب و أخلاقيات الصراع التي تراعي الجانب الإنساني و حماية المدنيين و هم يدركون أن إصرارهم على مواصلة القتال يعني إزهاق الآلاف من الأرواح البريئة و تدمير الحياة في السودان لأجيال عديدة قادمة و دك معالم الدولة و إحالة البلاد إلى رماد. رغم آن المساعي الدولية و الإقليمية لم تتوقف من أجل إخماد نيران الصراع الدائر في السودان بين شريكي الحكم السابقين إلا أنهما لا يزالان متمسكين بمواصلة القتال حتى تحقيق أهدافهم التي لا تشمل بطبيعة الحال مصلحة البلاد و لا خير العباد فقد وجد أطراف الحرب في استمرار القتال سبباً للسيطرة على مقاليد البلاد و فرض أنفسهم بقوة السلاح ليتحكموا في السلطة و الثروة ومصائر الشعب السوداني بينما يرفضون كل مساعي وقف إطلاق النار و الجنوح نحو السلم و تقديم أمن المواطنين و مصلحة الوطن  فلا مانع لديهم – فيما يبدو – من أن يستمر الجحيم الذي يستعر في أنحاء البلاد بسبب الصراع على السلطة بين معسكر التحالف الآثم الذي يضم قادة  الجيش و فلول الحركة الإسلامية ضد ميلشيا الجنجويد التي أنشئوها ودعموها لتكون يدهم الباطشة تجاه كل من يعترض على اغتصابهم للسلطة التي يقتتلون عليها الآن. و ليس بخاف على كل ذي عقل و ضمير أن سبب اشتعال لحرب الحالية في السودان هو محاولة سد الطريق أمام القوى المدنية الممثلة للشعب بان تقوم بدورها في تأسيس دولة ديمقراطية حرة على أساس المواطنة و احترام حقوق الإنسان. كما يجب أن نذكر بأن آخر التقديرات الأممية تؤكد أن عدد المواطنين المحتاجين للإغاثة العاجلة يقدر بحوالي ثلاثين مليوناً ممن ظل الموت يحصد أرواحهم جوعاً و مرضاً منذ أكثر من عام في الوقت الذي تنكر فيه حكومة الأمر الواقع تفشي الجوع الحاد الذي وصل إلى حالة المجاعة حسب إفادات المواطنين المنكوبين أنفسهم و حسب تقارير الجهات الدولية المختصة و قد كان رفض الحكومة التعاون مع جهود أممية كانت تسعى لتحديد حدة النقص الغذائي و المساعدة في إيصال المساعدات الغذائية للاماكن الأكثر تضرراً بمثابة إغلاق الباب في وجه تلكم المساعي الإنسانية ثم قامت الحكومة بطرد البعثة الأممية المختصة تحت ذريعة أنها لا تحترم سيادة الحكومة بل و طعنت في نزاهة تقارير اللجنة الأممية المذكورة دون مراعاة للوضع الكارثي لملايين المواطنين الذي يشهد عليه العالم أجمع حيث أن المشاهد المتوفرة  على وسائل الإعلام  تدمي القلوب وهي تظهر الأطفال السودانيين وقد تحولوا إلى كائنات من الجلد و العظم و الرجال و النساء و المسنين ليسوا بأحسن حالاً و هم يرون الجوع ينتزع أرواح فلذات أكبادهم على مدار الساعة بسبب حرب أشعلها حكامهم الذين يتنافسون بضراوة على إثبات أيهم أكثر وحشية و فظاعةً و أقدر فتكاً ببني جلدتهم من المواطنين العزل الأبرياء.

 هكذا يتعرض الشعب السوداني للإبادة جراء الحرب و ما ينتج عنها من جوع و فقر و دمار بينما يتذرّع الحكام بضرورة صون سيادتهم على شعب مقهور سطوا على حكمه في ليلة مظلمة مشئومة.  و بالنظر إلى مجريات الواقع الماثل الآن فإنه لا يبدو من الصعب تخيل ما سوف يؤول إليه الوضع الراهن في السودان فالحاضر يقول أن القادم سيكون – بلا شك – أسوأ إذا ما استمرت معادلة القتال من أجل البقاء في السلطة  فحكومة الأمر الواقع في بورتسودان تتكون من عدة أطراف مسلحة حاربت الجيش – حليفها الحالي – لعشرات السنين ثم تحالفت مع قادته بعد أن تآمروا للغدر بالقوى المدنية التي مثلت غالبية الشعب السوداني حينما وجد الفرصة التاريخية للتعبير عن نفسه خلال ثورة ديسمبر المجيدة التي نتج عنها الاتفاق على تكوين حكومة مؤقتة مشتركة بين المدنيين و العسكريين ذات مهام محدودة توصل البلاد إلى إقامة انتخابات حرة إلا أن قائد الجيش نفّذ انقلابه على سلطة كان هو يرأسها ليطيح بشركائه المدنيين في الخامس و العشرين من العام 2021  فنقض العهد المشهود والذي كان يقضي باستكمال مراحل التحول للحكم المدني الديمقراطي لتقع البلاد تحت حكم عصابات مسلحة لا يجمعها سوى المشاركة في السلطة المغتصبة و اقتسام ثروات البلاد و تأسيساً على ذلك فإن احتمالية نشوب القتال بين المتحالفين الحاليين – من مكونات حكومة الأمر الواقع –  تبقى حتمية و ليس هناك ما يمنع تكرار ما حدث من تحول الشراكة إلى احتراب ما دام الهدف هو السلطة و الوسيلة هي السلاح.

. على أطراف الحرب أن يقتنعوا بأن السلام هو خيار الشعب السوداني الذي عبر عنه بقوة في وجه كل الحروب و أن الحرية مطلب الأمة السودانية الأسمى لأنها هي جوهر الإنسانية الذي نتجت عنه ثلاث ثورات شعبية مجيدة  و العدالة هي صمام الأمان و بها يمكن أن نضع بلادنا على طريق الخير و التنمية لينال الإنسان السوداني ما يستحق من حياة كريمة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات