الصادق علي حسن يكتب طوق نجاة (٩ / ١٠) .
الصادق علي
النجاح الدبلوماسي :
في فترة وجيزة نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في تحويل الأنظار إلى مفاوضات جنيف، والآن تستعد القوى السياسية والمدنية والمنظمات الإقليمية والدولية للتوجه إلى جنيف ، كما ولأول مرة يحدث هكذا زخم والاهتمام الكبير المصاحب لمفاوضات من أجل وقف الحرب والترقب من الرأي العام السوداني في الداخل والخارج لنتائجها وقد ضاقت الظروف والأحوال وأشتدت المعاناة وذلك منذ نشوب الحرب الدائرة في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م ، وبمثلما أصابت القاهرة في مؤتمرها المنعقد في ٢٩/ يونيو/ ٢٠٢٤م النجاح الدبلوماسي، بمشاركة قوى تمثل تقدم وقوى الكتلة الديمقراطية كذلك المتوقع في مفاوضات جنيف القادمة أن تحقق الدبلوماسية الأمريكية نجاحات شكلية مماثلة ومتقدمة على مؤتمر القاهرة المذكور بمشاركة طرفي الحرب وبحضور ممثلين من نخب القوى المدنية والسياسية والمراقبين من أطراف الحرب الخارجية المؤثرة والإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وبذلك تكون الولايات المتحدة قد حققت النجاح الدبلوماسي في تجميع أكبر قوى سودانية مسلحة ومدنية داخل قاعة مفاوضات وأحدة وبصورة مباشرة كما وليست هنالك أي مجموعة يمكن أن تصل إلى جنيف ثم تتذرع بعدم الجلوس مع الأخرى كما حدث من جانب عقار وجبريل ومناوي في مؤتمر القاهرة ، ففي جنيف قد لا توجد هوامش للمناورة أو المزايدات اما الحضور والمشاركة بجدية في وقف الحرب أو الإعتذار وتحمل المسؤولية ، ولكن مع ذلك يظل هنالك القصور الواضح في المبادرة الأمريكية فتجميع طرفي الحرب وقوى مسلحة وسياسية ومدنية داخل قاعة واحدة وإنتاج مقررات لا تكفي في معالجة الظاهرة السودانية، وتظل ظاهرة وجود مجموعات أخرى خارجة منضدة التفاوض مستمرة ،كذلك تعددت القوى والكيانات التي تحارب ولا تلتزم بما تم أو يتم الاتفاق عليه ، لذلك فإن تحويل المبادرة الأمريكية لفرصة وطوق نجاة ركيزته الأساسية المواطن والرأي العام السوداني، كما وبالضرورة العمل على تلافي القصور وعدم الاكتفاء بالمظهر الشكلي للنجاح الدبلوماسي وصور الوفود المشاركة بل يجب اتخاذ منصة مفاوضات جنيف بداية عمل إيجابي وإقرار تدابير تنفذ خلال فترة قصيرة لضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه وبقاء طرفي الحرب في أماكنهما وتشكيل لجنة رقابة دولية من الأمم المتحدة تنتقل على الفور ميدانيا لمتابعة التحقق من وجود الأطراف وهي ملتزمة في أماكنها ، والمتابعة والرصد بالأجهزة الحديثة والأقمار الصناعية لأي إخلال وإيقاع العقوبات المناسبة على الطرف غير الملتزم ، ومتابعة إخلاء المنازل والمرافق العامة ، وتمكين المواطنين من سبل العودة إلى مناطقهم ومنازلهم بالتسهيلات اللازمة وإطلاق رحلات العودة الطوعية الآمنة للاجئين والنازحين مصحوبة بتوفير المعينات الضرورية، كما ويجب ان تظل أجندة المفاوضات المعلنة قاصرة على وقف الحرب والرقابة عليه ، والمساعدات الإنسانية وتأمين وصولها للمتأثرين والعودة الطوعية للنازحين واللاجئين وتسهيل وسائل العودة الآمنة وتلافي فتح أي ملفات أخرى في هذه المرحلة خاصة السياسية والمتعلقة بالسلطة، وتحديد فترة زمنية معقولة من أجل مباشرة التحقق من نتائج الرصد والتقييم وقراءة المؤشرات الإيجابية والسلبية والتعامل معهما بما يعزز المكاسب،ولكن حيثما فتحت الولايات المتحدة النقاش في الملفات السياسية وقضايا السلطة ستقضي على النجاح الدبلوماسي الشكلي المتوقع في مهده والمحصلة من المفاوضات ستكون الإبقاء على الأوضاع المتأزمة وإرتفاع حدة الحرب والتنافس على السلطة بين جميع الأطراف .
الظاهرة السودانية :
الباحث في مؤتمر القاهرة يجد أن من المشاركين في المؤتمر المذكور كمثال حزب الأمة القومي الذي يرأسه اللواء فضل برمة ناصر وحزب الأمة الإصلاح والتجديد الذي يرأسه مبارك الفاضل والقيادي سابقا بحزب الأمة القومي وقائد مجموعة العدالة والإصلاح التي تكونت من (١٣) حركة مسلحة وأنضمت إلى السلطة بموجب وثيقة سلام الدوحة في عام ٢٠١١م د التجاني سيسى، الثلاثة المذكورين من قيادات حزب الأمة في الديمقراطية الثالثة هنالك أيضا أربعة أو خمسة تنظيمات أخرى بشعار وإسم أحزاب الأمة كما وهنالك الحزب الإتحادى وله أضعاف الأحزاب بمسميات الحزب الإتحادي ، كما وهنالك خمسة أو أكثر من حزب بمسمى البعث، وهنالك الحركة الشعبية التي يقودها الحلو والتي تسيطر على مسافات شاسعة من الأراضي بجنوب كردفان والنيل الأزرق وهنالك عدة تكوينات أخرى بمناطق سيطرة الجيش بذات الإسم مثل خميس جلاب و ودانيال كودي وتلفون كوكو بجوبا ، بخلاف الحركة التي يقودها مالك عقار وقد آثر التمسك بالسلطة وأختلف مع ياسر عرمان الذي انحاز لقوى ثورة ديسمبر المجيدة ، اما حركات دارفور فقد صارت تتوالد بصورة دورية ويكفي أن يخرج قيادي أو يُعفى من السلطة ويحل محله آخر فيصدر هذا وذاك بيان العزل بمثلما حدث بتعيين صلاح رصاص في محل د الهادي إدريس بمجلس السيادة والحركة المسلحة وعبد الله يحيى الذي حل محل الطاهر حجر في مجلس السيادة والحركة المسلحة الأخرى ، وانتقل الإثنان من مجلس السيادة بذات شعار الحركتين المسلحتين إلى صفوف المعارضة ، فهذه الظواهر لن تتوقف بل افرزت داخل القبيلة الواحدة وفروعها عدة حركات مسلحة، لذلك التمثيل في هذه المنابر من نتائجه ظهور تكوينات جديدة بذات الأسماء مع التعديل الطفيف في الإسم نفسه ، ومن الأجدى لهذه المنابر حتى ترسي لحلول مستقرة ان لا تستهدف التمثيل السياسي والمدني من خلال الأشخاص وظاهرة التكوينات المسلحة والأحزاب ونخب المجتمع المدني ، وان تعمل على نقل المفاوضات في مراحلها المتقدمة إلى داخل البلاد، أما بالنسبة للمشاركة في هذه المنابر فمن الأفضل تسهيل الوصول إلى الفاعلين في الأرض الذين لا زالوا يعملون بوسائلهم المحدودة داخل البلاد ولم يخرجوا منها بحثا عن الأمان الشخصي ولأسرهم فهم الأجدر بالتعبير عنها، فالأسس والمعايير التي ظلت متبعة تحت غطاء مشاركة منظمات المجتمع المدني لا تزال ترتكز على العلاقات الشخصية للنخب السودانية من ذوي الصلات بالمنابر الخارجية والوجوه المكررة والنتائج التي تنتهي بانتهاء باللقاءات والصور والتصريحات وكتابة التقارير.
في مقالنا القادم والختامي سأتناول كيف أن البندقية قد استفذت أغراضها وفقدت صفة الكفاح المسلح وصارت خاصة بمن يحملها، ولم تعد مجدية في المطالبة بقضايا إزالة المظالم، وقد صارت الدولة كلها عبارة عن مظالم والمفقود الآن الخطاب السياسي الجديد برسائل جديدة تستدعي الدولة في اذهان المواطنين أولا بأسس العدل والمساواة الحقيقة وليست الشعارات البراقة والعمل من أجل البناء وإعادة التعمير، وإيقاف ظاهرة التحشيد القبلي والمناطقي والجهوي .