فشل مفاوضات جنيف قبل انعقادها. محدودية رؤى الوسطاء والأطراف (٢) .
بقلم : الصادق علي حسن.
رؤى ومفاهيم قاصرة :
دول الغرب مثل دولة فرنسا التي كانت لها مستعمرات سابقة في غرب أفريقيا تحتاج إلى إعادة النظر في سياساتها ووسائلها حتى تتمكن من تحقيق وتأمين مصالحها المستقبلية في أفريقيا ببناء شراكات بأسس جديدة وصحيحة تقوم على تبادل المصالح والمنافع المشتركة خاصة مع مستعمراتها السابقة بحزام الغرب الأفريقي ، في عالم اليوم وبأفريقيا لم يعد بالإمكان الحفاظ على المصالح الاستراتيجية من خلال الإعتماد على الأنظمة والحكومات وقد صار تغيير أنظمة الحكم في غالبية الدول الأفريقية وأردا في كل لحظة نتيجة لهشاشة الأوضاع السياسية والإقتصادية والانقلابات العسكرية ، وما لم تراجع دول الغرب عموما ودولة فرنسا على وجه الخصوص سياساتها المطبقة في دول حزام الغرب الأفريقي وقبل فوات الأوان سيصبح الخروج الجبري لفرنسا من أفريقيا مسألة وقت خاصة ولا تزال دولة فرنسا تعتمد على ذات الوسائل والأدوات المطبقة منذ حصول مستعمراتها السابقة (دول الحزام الأفريقي) على استقلالها بالاعتماد على حماية الأنظمة الوطنية الحليفة للحكومة الفرنسية واستثمارات فرنسا بمظاهر القوة العسكرية الفرنسية ورعاية النخب السياسية والمدنية من دون وضع اعتبار أو مراعاة لما يحدث من تغيير قاعدي في المفاهيم السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، لم تهتم دولة فرنسا بانشاء شراكات اقتصادية وتنموية مؤثرة لإحداث التغيير الإجتماعي والنمو الإقتصادي بمستعمراتها السابقة، وظل التخلف وحياة البؤس سمة غالبة في مجتمعات الغرب الأفريقي، وصارت المطالبة بخروج الحاميات الفرنسية من بعض دول حزام الغرب الأفريقي من أسباب تحقيق المكاسب السياسية وتوطيد الحكم كما حدث إثر الإنقلاب على النظام الديمقراطي في دولة النيجر ، قد تختلف سيناريوهات الخروج الفرنسي من دول حزام الغرب الأفريقي من دولة إلى أخرى، ولكن النتيجة ستكون وأحدة، لذلك تحتاج فرنسا قبل ان تفقد الكثير في الغرب الأفريقي ان تعيد النظر في سياساتها الحالية تجاه تلك الدول التي نالت استقلالها ولها تجارب مع الاستعمار الفرنسي وقد صارت تبحث عن مصالحها الذاتية المستقلة وليس بالضرورة مع فرنسا أو بواسطتها، وأن تأخذ فرنسا العبر والدروس من تجربة النيجر والتهديد والوعيد بإعادة الرئيس المُنقلب عليه محمد بازووم إلى السلطة ، ولم تستطع أن تفعل ذلك ، فالديمقراطية يحميها أولاً الناخب نفسه في بلده ولا تحمى ببندقية خارجية كما هددت وتوعدت فرنسا ،وإذا زهد الناخب في الديمقراطية ببلاده تصبح المطالبة بها من الغير، بلا قيمة كما حدث في انموذج الانقلاب العسكري على الحكم الديمقراطي بدولة النيجر .
إن محاولات فرنسا الحالية للمساهمة في علاج الأزمة السودانية تندرج ضمن المساعي الحميدة ولكن حتى تجد الإعتبار وتأتي بالنتائج المرجوة منها بالضرورة أن تراعي الفواصل ما بين دعم جهود انتاج الحلول السودانية وما بين محاولات صناعتها ، فمحاولات صناعة الحلول الخارجية للأزمات السودانية من خلال استخدام النخب تؤدي إلى تفريغ المزيد من نخب المجتمعين السياسي والمدني السوداني وزيادة حالات الاستقطاب وستأتي هكذا ممارسة قطعا بنتائج سالبة على المديين القريب والبعيد كما وقد لا تخدم المصالح الفرنسية في دول الحزام الأفريقي والسودان بل قد تعجل برحيل فرنسا من هذه الدول وفقدانها لنفوذها السياسي والعسكري، وفتح الأبواب للدول الأخرى المترقبة مثل دولتي الصين وروسيا .
بروميديشن :
في ٣/ أكتوبر/٢٠٢٠م تم التوقيع على اتفاق سلام جوبا بمشاركة الرعاة الدوليين وفي فبراير ٢٠٢١م قام د. عبد الله حمدوك بإعادة تشكيل حكومته تنفيذا للإتفاق المذكور ، لقد كان الدعم الدولي الخارجي المجدي للحكومة المدنية المُشكلة بموجب اتفاق سلام جوبا برئاسة د عبد الله حمدوك التعاون معها في تحقيق برامجها وأهدافها وليس من خلال رعاية اعمال مستقلة عنها مهما كانت سلامة المقاصد والغايات لخدمة حكومة د. حمدوك المعنية أو لأي أغراض أخرى جديرة بالإعتبار ، ومن الواضح أن دولة فرنسا التي صارت أكثر نفوذا في مستعمرتها السابقة النيجر في ظل العهد الديمقراطي وحكومة الرئيس النيجري المنتخب محمد بازووم أنها كانت تسعى لمراعاة مصالحها في دول الغرب الأفريقي ، ولكن الباحث في بعض هذه الأعمال والأنشطة السياسية يجد أنها لم تضع الإعتبار لكيفية تحقيق المصالح المرتبطة بالدول الأخرى ممن لها الصلة المباشرة بذات المسائل وقضاياها الداخلية ، فوقعت فرنسا في أخطاء فادحة مثل رعاية تكوين تحالف جديد لقوى من الحركات المسلحة المرتبطة بدارفور ثم تبني هذه القوى والسعي لاسباغ مرجعية لها وربط أهداف تأسيسها بالجهود الدولية التي تطالب بإخلاء الوجود الأجنبي من دولة ليبيا فالبحث عن سبل المشاركة لهذه القوى الوليدة في أجهزة الحكومة الانتقالية السودانية.
لقد أفصحت المنظمة الفرنسية بروميديشن لصحيفة التغيير الإلكترونية السودانية في عددها الصادر بتاريخ ١٧/ يونيو /٢٠٢٢م بأن من ضمن أغراض قوى المسار الديمقراطي التي تم تكوينها في نيامي عاصمة النيجر إعادة المقاتلين السودانيين من ليبيا تنفيذا للجهود الدولية في أكتوبر ٢٠٢٠م لإخلاء المقاتلين الأجانب من دولة ليبيا والحاق المقاتلين السودانيين بليبيا بالجيش السوداني ومشاركة القوى المسلحة في حكومة د حمدوك ، وكأن مثل الأمور تتم تسويتها بهكذا بساطة متناهية بمعزل عن الدولة المعنية كما وكأن البندقية إينما رفعت وبغض عن أسباب رفعها في دولة أخرى (ليبيا ) تكفل لرافعها السوداني حق العودة إلى بلاده التي لا علاقة بالحرب الليبية والمشاركة في السلطة والالتحاق بالجيش ، وبذلك صارت دولة فرنسا ومنظمة بروميديشن تمنح البندقية العابرة من دولة السودان إلى ليبيا والحركات المسلحة السودانية التي تقاتل في دولة ليبيا وليست لها صلة أو قضية بالدولة الليبية مشروعية استحقاق المشاركة في السلطة والإنضمام للجيش في ظل حكومة ثورة شعبية كان مهرها دماء الشباب من أجل تحقيق التحول الديمقراطي .
المنظمة الفرنسية بروميديشن والإعلان عن قوى المسار الديمقراطي بنيامي :
في ١٠ يونيو ٢٠٢٢م وقعت سبع فصائل سودانية مسلحة إعلانا تأسيسيا بمدينة نيامي عاصمة دولة النيجر وكان ذلك في عهد الرئيس النيجري المنتخب ديمقراطيا محمد بازووم وأطلقت على تكوينها مسمى قوى المسار الديمقراطي وضمت قوى المسار الديمقراطي المذكور مجلس الصحوة الثوري الذي أسسه الشيخ موسى هلال وحركة العدل والمساواة السودانية الجديدة بقيادة د منصور أرباب والحركة الثورية للعدل والمساواة بقيادة يس عثمان وحركة تحرير السودان القيادة المستقلة بقيادة عباس جبل مون ومجلس الصحوة القيادة الجماعية بقيادة علي السافنا وحركة العدل والمساواة التصحيحية بقيادة زكريا الدش ومجلس الصحوة الثوري للتغيير والإصلاح بقيادة عبد الله حسين وطالب البيان المشترك الصادر عن القوى المذكورة في ختام اجتماعاتها بإستكمال عملية السلام الشامل ومخاطبة جذور المشكلة السودانية وتشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات تتوافق عليها كل القوى السياسية السودانية في كل مستويات الحكم وكتابة الدستور الدائم.
في ١٧/ يونيو /٢٠٢٢م أي بعد صدور البيان الختامي بخمسة أيام فقط نشرت صحيفة التغيير الإلكترونية المنقول أدناه بالنص :
(منظمة بروميديشن الفرنسية، قامت بتيسير اجتماع بين وفد حكومي سوداني وتحالف للحركات المسلحة في دولة النيجر، ناقش إدراج تلك الحركات في عملية السلام و انسحاب مقاتليها من دولة ليبيا.
الخرطوم : التغيير
وأشارت إلى أن تحالف قوى المسار الديمقراطي، الذي تكون حديثا بمشاركة، 7 حركات مسلحة لديها قوات في ليبيا، التقى في إطار غير رسمي بوفد رفيع المستوى مفوض من الحكومة السودانية.وانخرط الجانبان، حسب بيان لمنظمة (بروميديشن) في مناقشات أولية حول أشكال المشاركة المستقبلية لهذه المجموعات في عملية السلام في السودان وبحث سبل انسحاب قوات الحركات من ليبيا وعودتها سلميا إلى السودان.
وبين أن اللقاء، يأتي في إطار الجهود الدولية من أجل تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار في ليبيا الموقع في أكتوبر 2020 برعاية بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا والذي يهدف إلى انسحاب القوات الأجنبية هناك، وأن انسحاب المجموعات السودانية المسلحة أحد العناصر الأساسية لتنفيذ الاتفاق.
وناقش الاجتماع مشاركة تلك المجموعات في العملية السياسية ومسألة الترتيبات الأمنية، لافتا إلى أن النقاش تركز على الطرق العملية والجدول الزمني الخاص بعودة المقاتلين الموجودين في ليبيا بالإضافة إلى تجميعهم وإدماجهم في القوات النظامية السودانية أو عودتهم للحياة المدنية
واعتبر البيان الاجتماع الذي انعقد خلال يومي 10 و11 يونيو، دفعة قوية للمساهمة في تحقيق الاستقرار ليس في السودان وليبيا فقط وإنما في على نطاق واسع في كامل المنطقة.
وأشار إلى توافق الجانبين على عودة مقاتلي مجموعات التحالف وعلى مواصلة الجهود للمضي في الجوانب الفنية والمالية لهذه العملية، بالإضافة إلى ضمان المساهمة الكامل لتحالف قوى المسار الديمقراطي في العملية السياسية الانتقالية وعملية السلام الجارية في السودان.
السودان النيجر فصائل) .
*رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لا يعلم :
في إجتماع لوفد هيئة محامي دارفور برئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك أكد لوفد الهيئة بأنه لم يعترض على اللجنة التي شكلها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لمفاوضات سلام جوبا على الرغم من قناعاته الشخصية بالقصور وذلك من أجل عدم تعطيل أي فرصة لتحقيق السلام ووضع البندقية ، ومن خلال المتابعة وقتذاك يمكنني أن أؤكد بأن منظمة بروميديشن تعنى بأنها قامت بتسيير اجتماع بين وفد حكومي سوداني رفيع وتحالف للحركات المسلحة بنيامي بمشاركة ٧ حركات مسلحة لديها قوات في ليبيا أنها تعني المكون العسكري الذي كان يباشر ملف السلام ، ويجد الباحث ان المنظمة الفرنسية المذكورة تطوعت من تلقاء نفسها في إطار متابعة الجهود الدولية لمتابعة تنفيذ وقف اطلاق النار في ليبيا الموقع في اكتوبر 2020 برعاية بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا والذي يهدف إلى انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا ، وأن انسحاب المجموعات السودانية المسلحة أحد العناصر الأساسية لتنفيذ الاتفاق المذكور بحسب ما قالت ، فهل يعقل أن تتم هكذا معالجة لظاهرة البنادق العابرة للحدود من السودان إلى ليبيا ، وهل قيام مجموعات مقاتلة سودانية في دولة أخرى (ليبيا) وهي بأسبابها الذاتية التي دفعتها للقتال يمكن أن تبرر وتكون أسباب للمنظمة الفرنسية المذكورة وتخولها حق تيسيير تكوين قوى مسلحة مكونة من ٧ فصائل سودانية مسلحة وخلال مدة خمسة أيام من إعلان بيان التكوين تلتقى بوفد على مستوى رفيع بالحكومة السودانية لتبحث مع الوفد السوداني المشار إليه موضوع استيعاب عناصر القوى المسلحة في الجيش وفي السلطة بمرجعية تنفيذ جهود دولية لتنفيذ وقف إطلاق النار في ليبيا منذ عام ٢٠٢٠م . ونواصل.