محمد صالح عبد الله يس يكتب :البروفيسور محمود موسي محمود عبير الامكنة
رحيل البروف محمود هو ايذانا بنهاية عصر وبداية عصر فهو كان احد اعلام زمانه وسيد اقرانه رحمة الله تغشاه فهو حفيد الامير قمر الدين عبد الجبار احد كبار قادة المهدية شارك في كرري وعاد الي دارفور وعمل وزيرا لسلاح الاسلحة مع السلطان علي دينار استشهد في كبكابية 1911
فتاريخ الرجل مستمد من ارث قديم لم يتحدث عن اجداده وارثهم تواضعا منه وحتي لا يتهم بالعظامية وينحي منحي بعض الجهلاء الذين ملؤوا الدنيا ضجيجا ويرددون بجاهلية وعنجهية اؤلئك ابائي فجئني بمثلهم اذا جمعتنا يا جرير المجامع
لهما الرحمة فقد رحلوا وتركوا ارثا تفاخر به شرق دارفور في السودان
تهاوت الانجم من حولنا ونحن ننظر اليها في اسي وتجلد البروف كان احد رواد الاستنارة في دارفور واحد اعلامها التي حملت لنا عبق النضال
منذ ان تفتحت عيناه علي الحياة كان مهموما بخدمة الاهل جميعا كان هو صاحب القدح المعلي في النضال ضد الاستعمار كان من المنادين بتحقيق العدالة الاجتماعية وتقسيم الثروة والسلطة في السودان عمل امينا عاما لجبهة نهضة دارفور التي تاسست علي ايديهم هو ونفر كرام من ابناء دارفور دفعوا ثمن نضالهم سجونا ومطاردة وعزل من الحكومات المتعاقبة لكنه واجهه هذه المظالم بصبر وجلد
حكي لي الكثير في الاذاعة عندما استضفته في برنامجي المعروف ( سياحة في اعماق المشاهير ) نقل معاناتهم وتجربة نضالهم خلال الحقب المتعاقبة البروف عندما تجلس معه فحديثه بلسم يشفي الصدور ومزيل للتوتر سالته ذات مرة في حديث جانبي خاص لماذا انهارت جبهة نهضة دارفور وهي في اوج مجدها وعظمتها بعد ان التف الناس حولها ووجدت حظها من الاعلام الخارجي وتناولتها كبريات الدوريات الاوربية وقدمتها للعالم كمؤسسة جديدة ظهرت في الفضاء السياسي الافريقي تدعو لتاسيس دولة سودانية يتساوي فيها الجميع في الحقوق والواجبات
اعتدل في جلسته ثم قال لي طبعا انحنا كنا ننادي بمآسسة الدولة وازالة التشوهات التي لحقت بها كنا نريد هندسة المستقبل باطروحات وافكار جديدة تلبي طموحات اهل دارفور كمجتمع اعطي السودان كل شيئ وبالمقابل لم يقدم له المركز آي شيئ كنا في ذلك الوقت كجبهة نعبر عن تطلعات الكثيرين في المجتمعات الافريقية التي عانت من البؤس والتهميش وبلغة اليوم كنا اكبر و أول منظمة للمجتمع المدني في افريقيا والعالم العربي واستطعنا ان نسحب البساط من تحت اقدام الاحزاب السودانية التي جعلت من دارفور ارضا خصبة تاتي اليها في موسم الانتخابات فتحصد الدوائر ثم تختفي واخيرا وبعض ظهور الجبهة شعرت الاحزاب بخطورة الجبهة وتاثيرها علي المشهد السياسي وعملت علي اختراقها من الداخل فقد انضم الاباء المؤسسين لها الي صفوف الاحزاب وتم تخريب مابنته الجبهة بايدي بعض ضعاف النفوس من أبنائها الذين هزمتهم شهوة المناصب والنجومية وانفض سامر القوم وغابت وتلاشت الجبهة وانطوت في القلب حسرة
في عصر التطور التقني اختفت الجغرافيا كعزلة مانعة للتواصل والوجود كنت قد اجريت حوارا سياسيا مع البروف في راديو دبنقا عبر الاتصال وكان موضوع الحلقة كان عن الحوار بين ابناء دارفور وكيفية تحشيد ارادتهم تنفس قليلا وتنهد ثم قال ان من اسباب قيام كل الحركات الاحتجاجية في دارفور من لدن ثورة السحيني وحريق العلم البريطاني كلها كانت تطالب بحقوق انسانية مشروعة وتتطلع لاشواق اهل دارفور للتنمية العادلة ومناهضة خطاب الكراهية وايدلوجيا الاستعلاء الذي انتجتها الانقاذ التي تحولت بلادنا في عهدها الي مستنقع اسن تراكمت في داخله جراثيم الكراهية والبغضاء ويجب علي ابناء دارفور ان يعيروا اهتماما لهذه الاصوات التي تنبعث من اعلام كذوب لا يعبر عن قضايا الهامش وتطلعاتهم وعليهم ان يمضوا في مسيرة النضال وحتما سيصلون الي مبتغاهم ويومئذ ستنقلب وتترجح كفة العدالة لصالح الفقراء والمهمشين الذين ينادون بتعريف جديد للوطن والمواطنة
انتهي الحوار وموجود الان علي صفحة راديو دبنقا في برنامج ملفات سودانية
البروف محمود لدية مكتبة ضخمة حوت مئات المؤلفات والمراجع النادرة باللغتين الانجليزية والعربية وهو اول من ادخل ادوات التقنية والمعرفة الحديثة الي السودان فهو من ادخل نظام البروجكتر كوسيلة تعليمة في جامعة الخرطوم ومكتبة الإلكترونية تحوي عشرات الاقراص والافلام والتسجيلات النادرة من انتاج سينمائي ودراما ومسرحيات نادرة من منتجات سينما هليوت
كان يمتلك ادوات التسجيل والتصوير الحديثة وثق بها محطات هامة في حياته ويمتلك مكتبة ضخمة من الصور والالبومات النادرة
ان الجهد الكبير الذي ببذله في حياته الاكاديمية والسياسية والثقافية تستخد ان تخلد في متحف دائم ليشاهد الجميع منجزاته ومسيرة حياته الحافلة وكنت قد تحدثت مع الصديق النابهه متوكل محمد موسي الذي يحتفظ بوثائق ضخمة عن حياة هذا العملاق ان يجتهد مع الاسرة والاصدقاء لتقديم حياة البروف في سفر ضخم للتطلع عليه الاجيال وتتعرف علي مناقبه فمثله ثروة قومية وارث حضاري ملك للجميع
بموته فقد السودان احد رموزه وعلمائه وانطوت صفحة باذخة شغلت الناس وملات الدنيا هذه بعض ملامح حياة هذا الفارس لم اتناوله حياته في المنابر الاكاديمة فقد كان مدير لجامعة جوبا ومديرا لجامعة الفاشر ولهذه الاخيرة قصة طويلة سارويها في مكان ووقت اخر
وحقا بروف محمود
دينار من الصك القديم