استجابة الإسلاميين للدعوة الأميركية لإيقاف الحرب.. أم التدخل الدولي؟
بقلم صلاح شعيب
استجابة الإسلاميين .الحقيقة الثابتة أن من يعرقلون فرص التوصل للتفاوض لإيقاف الحرب ليس الجيش، وإنما هم الإسلاميون، وحلفاؤهم، الذين يسيطرون على مساحة تحرك البرهان. فقيادة الجيش لا حول ولا قوة لها بالتقرير في شأن مجريات الحرب بعد أن صار الإسلاميون، والبلابسة، حاضنة الجيش أنفسهم، ولا يأتمر إلا بأمرهم. وقد لاحظنا أن كل تحرك منذ بدء خيارات التوصل إلى تسوية لإيقاف الحرب قد قوبل بالرفض من الإسلاميين وداعميهم في المجهود العسكري، وعلا صوت “البل” على صوت الحل، برغم أن الحرب حصدت الشجعان من الجنود، والقادة العسكريين الذين حاربوا بغير معرفة بأصول الصراع السوداني – السوداني.
وغالب هؤلاء القتلى لا ينتمون للإسلاميين، ولكنهم وجدوا حالهم في خضم معركة أشعلها أناس يقضون أوقاتهم، ويسلون أنفسهم مع زيجاتهم المتعددة، وأبنائهم في الخارج، ويتابعون مجريات الحرب عبر الأثير. وهذه هي الحقيقة التي تبقى عارية مهما حاول المؤتمر الوطني، وحلفاؤه القفز عليها. فالحرب الجارية الآن لم تقتل قيادياً معتبراً من قادة الموتمر الوطني الأثرياء. ولكنها حصدت الذين يوالونهم، وهؤلاء معظمهم واقعون تحت تأثير مخدر أيدولوجيا الإسلام السياسي. وإذا كان هؤلاء – زاد المعركة – من أصحاب الشركات العابرة للقارات، والاستثمارات الضخمة، والرساميل، والممتلكات، المشتتة في عواصم آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، فإنهم سينشغلون بتجارتهم، وسيكونون في مأمن الآن من دانات الحرب. وذلك هو حال قيادات الحركة الإسلامية الذين لا يتقدمون الصفوف للاستشهاد لحيازة الجنة، وإنما يفضلون التنعم بالبقاء في الحياة من خلال حث الشباب على القتال نيابة عنهم، دفاعاً عن نعيمهم. ذلك حتى إن انجلت المعركة عن فوز الجيش عاد قادة الإسلام السياسي إلى البلاد ليستأنفوا السيطرة على السلطة، ونهب خيرات البلاد، بينما يمنحون الفتات للفقراء من الإسلاميين.
هذه هي الصورة العامة لواقع الحاشدين للحرب، ومؤيديها، ولذلك فإن المحاولات المتعددة المبذولة من المجتمع الدولي بتياراته القارية، والإقليمية، وجدت حجار عثرات متينة أمام الحركة الدؤوبة لإيقاف الحرب، وتخليص المجتمع السوداني من الورطة التي خلقها الإسلام السياسي السوداني عقب إنهاء فاعليته عبر ثورة ديسمبر المجيدة.
واضح أن في نية البرهان، وكباشي، التوصل لاتفاق مع الدعم السريع. وذلك يتضح جلياً في تصريحاتهما المبطنة حول إمكانية العودة للتفاوض. ذلك مهما بالغوا في تطمين حاضنتهم بأنهم لن ينكسروا لصالح الدعم، غير أن هذا التطمين نفسه يمثل تغطية لتحركاتهم السرية التي كشفتها مفاوضات المنامة، والاتصال بشيخ الإمارات، ومفاوضات جنيف السرية مع الدعم السريع بشأن الإغاثة. ولقد لاحظنا أن هذه التحركات السرية ترافقت قبلها، وبعدها، بتصريحات للبرهان، والكباشي، تكاد توحي للمرء بأنها قاطعة بما لا يقاس. ولكن البحر كذب الغطاس.
الخطوة الأميركية بناءً على تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن – لدعوة الطرفين للتفاوض في أغسطس المقبل – ستظل عاجزة إن لم تدرك أن البرهان وحده لا يستطيع النزول إلى رغبات المجتمع الدولي الداعي لإيقاف الحرب، وما يتبعه من خطة مارشال أخرى لإغاثة عشرات الملايين من السودانيين الجوعى، وابتدار عملية سياسية تستأنف مسار ثورة ديسمبر.
فالبرهان لا يمسك الآن بكل خيوط إدارة الجيش الذي يستتر خلفه الإسلاميون تخطيطاً، ودعماً، وإعلاما. ونحن ندرك سلفا أن مفاوضات جدة، والمنامة، ونيروبي، جربت قدرة قائد الجيش على الإمساك بهذه الخيوط. ولكن بان لمسهلي التفاوض أن هناك جهات خلف المشهد تنقص غزل توقيعات الطرف العسكري في أيما مسعى لإيقاف الحرب.
خشية البرهان من إطاحة الإسلاميين به في حال تسوية أمره مع الدعم السريع هي لب المشكلة، وتبقى السبب الجوهري لاستمرارية الحرب بعد فشل كل مجهودات السودانيين، والعرب، والأفارقة، والأوربيين، ومن خلفهم المنظمة الدولية للضغط عليه حتى يستجيب لصوت الحكمة الذي يراعي حالة شعبه المؤسفة. ولذلك فإن الرعاية الأميركية القادمة للتفاوض بين الجيش والدعم السريع – إذا تمت الاستجابة من طرف البرهان بعد موافقة قائد الدعم السريع حميدتي – تستلزم تكثيف الضغط على الإسلاميين أكثر من البرهان لحملهم على وضع حد للصراع الدامي في البلاد.
وكما تابعنا فإن العقوبات التي أصدرتها وزارة الخزانة الاميركية على قادة طرفي الصراع، والتي شملت رموز الإسلام السياسي في البلاد، لم تجد فتيلا. ولا نظن أن المشكلة تكمن وحدها في الذين شملتهم العقوبات أمثال علي كرتي، وعبد الباسط. فغالب قادة تنظيمات الحركة الإسلامية متورطون في تغذية الحرب، ويصعب إيقاف مجهوداتهم المتنوعة في هذا الصدد.
والحال كهذه، نعتقد أن الولايات المتحدة – في حال فشل رعايتها القادمة للتفاوض – أرادت خدمة بلادنا ليس أمامها سوى توظيف قدراتها في المنظمة الأممية لخلق إجماع دولي للتدخل تحت أي بند لإنقاذ شعب السودان من هذه الكارثة الإنسانية التي خلقها قادة تيار الإسلامي السياسي في البلاد، ولا أناس خلافهم.