الجمعة, سبتمبر 20, 2024
الرئيسيةمقالاتالصادق علي حسن يكتب أخطاء بلينكن وبيرييلو (٢)

الصادق علي حسن يكتب أخطاء بلينكن وبيرييلو (٢)

الصادق علي حسن يكتب أخطاء بلينكن وبيرييلو (٢) 

من أخطاء بيرييلو

من الأخطاء الفادحة التي أرتكبها مبعوث الرئيس الأمريكي بايدن السيد توم بيرييلو وقد نسبت إليه في تصريحات متكررة وهو يردد فيها بأن لا مستقبل للدعم السريع في المشاركة (لا سياسيا ولا عسكريا) ولم يتحسب بيرييلو لنتائج مثل هذه التصريحات وتأثيراتها على مجريات المفاوضات وإن ظل وفد الدعم السريع متواجدا بطاولة مفاوضات جنيف وتأكيده من وقت لأخر عن التزامه بالتفاوض وتنفيذ مخرجاته، لقد صارت قوات الدعم السريع عبارة عن ظاهرة مجتمعية وليست قوات محاربة فقط، كما وقد صار قائدها حميدتي ملهما لآلاف من جنوده ومؤيديه ، لذلك فإن تلك التصريحات التي صدرت من بيرييلو خارج طاولة المفاوضات حول الوضع المستقبلي لقوات الدعم السريع ونشرها للرأي العام لا تخدم العملية التفاوضية في شيئ بل قد تأتي بردود الأفعال المناوئة من عناصر و منسوبي الدعم السريع بصورة مباشرة أو غير مباشرة وإن لم تأت من قيادتهم ، فالقيادات المحلية لمنسوبي قوات الدعم السريع وعناصرها الميدانية والإعلامية في الوسائط تتمسك بالمشاركة في الحكم وإدارة الدولة ولن تقبل بأن تضع البندقية وتذهب لتجد نفسها ملاحقة بإجراءات جنائية بدلا عن السلطة ،وهل يعتقد المبعوث الأمريكي بأن العناصر المؤيدة لقوات الدعم السريع وحلفاؤها جميعهم يمكنهم  الموافقة بالتقرير بعدم مشاركتهم  لا عسكريا ولا في السلطة حتى ولو وأفقت قياداتهم على هكذا اتفاق في جنيف ، كما وهنالك عدة مجموعات مسلحة تقاتل تحت غطاء الدعم السريع لتحقيق مكاسب السلطة وستستقل بمواقفها حيثما علمت بأن من نتائج الاتفاق مع وفد الدعم السريع بجنيف الحرمان من الحصول على أي مكاسب وقد قاتلت من أجل المكاسب بلا هوادة .

حالة اللادولة :

الحالة السودانية الحالية تختلف عن سابقاتها في ظل كل النظم الديمقراطية والعسكرية السابقة ، ففي ظل الديمقراطيات الثلاث الأولى والثانية والثالثة السابقات كانت أجهزة الدولة الرسمية تحتكر العنف ومركز القرار الموحد في الدولة كما وكانت الأحزاب الحاكمة تجد سندها من الناخبين من خلال إنتخابات عامة ديمقراطية حرة، وفي ظل الحكم العسكري الأول والثاني كانت هنالك سلطة عسكرية مسيطرة على الحكم وإدارة الدولة ، وفي تجربة نظام الحكم العسكري الثالث (الإنقاذ) كان الحزب الحاكم وهو المؤتمر الوطني مسيطرا تماما على إدارة الدولة ، وعقب مزيج ثورة ديسمبر ٢٠١٨ المجيدة ما بين المكون العسكري والمكون المدني كان تجمع المهنيين السودانيين في السنة الأولى من نجاح الثورة يتمتع بتأييد وأسع النطاق لدى الشارع السوداني، وقد كان يمكنه توظيف ذلك التأييد بصورة تضمن الحفاظ على مكتسبات الثورة ، ولكن لم يحدث ذلك، أما الآن فالسودان في حالة اللادولة ولا توجد جهة تسيطر على مركز القرار ، كما لا توجد جهة تطرح فلسفة لإدارة الدولة برؤى متكاملة، وتكاد تكون جميع الأحزاب  قابعة في مكانها وهي تنتظر نتائج وقف الحرب تأتيها، ومساهماتها محدودة في إطار التصريحات ، كما وتجد غالبية هذه الأحزاب تطالب بوقف الحرب ولا تقوم بأي أعمال أو أنشطة داخل السودان أو خارجه لوقف الحرب ولا تظهر أصوات قياداتها إلا في المؤتمرات والورش الخارجية والتصريحات الإعلامية ، أما منظمات المجتمع المدني فالأدهى والأمر فقد صارت أقرب للافتات المنظمات السياسية ولا تقوم بأي أنشطة داخل البلاد، الحرب الدائرة لم تمنع الشاب مؤمن ود زينب وهو شابا في مقتبل عمره مع زملائه طوال السنة الأولى من الحرب الدائرة من العمل التطوعي بلا أي موارد أو تمويل وقاموا بأعمال عجزت عن القيام بها المنظمات المحلية والدولية الممولة من دول الغرب بملايين من العملة الصعبة وتمكنوا من تحويل مستشفى النو بالثورة في ظروف الحرب المستفحلة لحركة خدمات علاجية وإسعافية متكاملة،ومن الأمثلة التي تفضح لافتات المنظمات الحقوقية في هذه الأيام هنالك أكثر من مائة وخمسين (معتقل/ة ومقبوض/ة) في مدن بورتسودان و عطبرة وشندي وضمنهم فتيات صغار فتحت في مواجهتهن بلاغات جنائية تحت مواد الجرائم الموجهة ضد الدولة  وهنالك محاميان (أميرة بعطبرة / أحمد بالشرق) ينشطان من مواردهما الذاتية في تقديم العون الإنساني ومنظمات حقوقية عديدة منكبة في كتابة التقارير وتتحدث عن دعم المدافعين الحقوقيين وقد تحولت الأنشطة الحقوقية إلى تقارير للمانحين ولا وجود لها ميدانيا على أرض الواقع ، إن بعض تصريحات بيرييلو قد يخاطب بها هذا الطرف أو ذاك من طرفي الحرب ولكن قد تجلب بعضها النتائج العكسية بمثل الحديث عن إجراء مشاورات مع قوى سودانية مدنية .

إشارات سالبة  :

من الأخطاء الجسيمة التي أرتكبها المبعوث الأمريكي توم بيرييلو في التصريحات المنسوبة إليه ولم ينفها مكتبه انه قام بإجراء مشاورات مع قوى مدنية سودانية وأن دور طرفي الحرب محصورا في التفاوض على وقف الحرب والمساعدات الإنسانية، إن مشاورات بيرييلو مع القوى المدنية السودانية لا بد منها وهي ضرورية ولكن تصريحاته بشأن تلك القوى المدنية المشار إليها ومن ضمنها من تمت دعوتها إلى جنيف وكأنها هي المعنية بالتقرير في المستقبل السياسي للبلاد ما بعد وقف الحرب من نتائجها السالبة ظهور حالات الاستقطابات لتكوين التحالفات والأجسام الجديدة لاستغلال غطاء المجتمع المدني بغرض الحصول على المكاسب السياسية، وقد سارعت عدة وأجهات وجبهات لتنظيم مؤتمرات وإعلان تأسيس تكوينات لقوى مدنية حتى تكون مستعدة وحاضرة في قسمة السلطة والثروة المحتملة بجنيف.

الإنتخابات القادمة :

تجرى مفاوضات جنيف من دون حضور طرف الجيش كما ويؤكد المبعوث الأمريكي بأن هنالك ما يمكن عمله حتى ولو لم يحضر طرف الجيش، هذه التصريحات لن تصمد طويلا فالولايات المتحدة غير مستعدة لإتخاذ مواقف غير دبلوماسية تجاه أزمة السودان وسيظل الحال كما هو عليه،فماذا سيقول بيرييلو مجددا أو يوعد به وقد رفع سقوفات الرأي العام السوداني لأقصى درجات التوقعات ولم يحدث شيئا .

لقد أعلنت الولايات المتحدة بأن مفاوضات جنيف محصورة في وقف الحرب والمساعدات الإنسانية دون النظر في القضايا الأخرى ، ولم تقدم تصورها بشأن القضايا الأخرى ، إن قضايا وقف الحرب والمساعدات الإنسانية من صميم القضايا السياسية والتقرير فيها بضمانة الولايات المتحدة وبمعزل عن القوى السياسية قد يدفع  بقيادات طرفي الحرب للتوافق فيما بينهما لتحقيق مكاسب سياسية ذاتية وتوسيع وتمديد نطاق الاتفاق ومدة سريانه ، وهنا لن تستطيع الولايات المتحدة كوسيط محايد إلزامهما بمدة مغايرة، وقد يتفق الطرفان على سنوات عديدة فهل هنا ستتدخل الولايات المتحدة من موقع الوسيط لتمارس دور راعي مصالح الشعب السوداني الغائب عن المفاوضات ، كذلك مثلا إذا أفترضنا بأن طرفي الحرب والوسيط الأمريكي أتفقوا على مدة الوقف ، من الذي يباشر إدارة الدولة خلال مدة وقف الحرب وماهية المرجعية وبأي سند؟

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات