الصادق علي حسن يكتب: طوق نجاة (٨ /١٠)
طوق نجاة . الأفيد للشعب السوداني الآن النظر في كل جهود وقف الحرب بصورة موضوعية وعلى رأسها جهود الولايات المتحدة الأمريكية فالولايات المتحدة الآن تمثل القطب الأوحد في العالم، كذلك العلاقات في العالم بين الدول والشعوب تقوم على المصالح المتبادلة وليس الأماني والرغبات ، إن توظيف الجهود الأمريكية لا بد منها لخدمة مصالح البلاد وشعبها لوقف الحرب والحفاظ عليها وقد تشرزمت وصارت ظاهرة لمشروع حروبات أهلية متمددة مرتبطة بالخارج وقد تتوسع لترتبط بالحروب الإقليمية ليس في أفريقيا فحسب بل قد تمتد لترتبط بحروب الشرق الأوسط، وما لم يتعامل الشعب السوداني مع هذه الحقائق بموضوعية فلن تخرج البلاد من دائرة الحرب ، إن مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية الحالية سانحة قد تكون الأفضل من غيرها للبحث عن الفرص المتاحة، صحيح الولايات المتحدة ليست لديها رؤى حول الأزمة السودانية وهنالك قصور وأضح منها في التعامل مع الأزمة، كذلك النخب السودانية المدنية والسياسية ذات الصلة بدوائر صنع القرار الأمريكي تساهم بمساهمات سالبة مربوطة برغباتها ومصالحها الذاتية القاصرة و قد صارت هي نفسها تكرس في الأزمات المستفحلة.
الولايات المتحدة والجيش :
ظلت الولايات المتحدة تتحدث عن الجيش السوداني باعتباره مؤسسة خدمة عسكرية، ولا تربط الجيش كمؤسسة بالقيادة السياسية للجيش، وهذا التوجه وإبعاد الجيش من دائرة التنازع والصراع الدائر على السلطة وحصر الصراع بين قيادة الجيش ممثلة في البرهان واعوانه وقوات الدعم السريع ، هذا التوجه في صالح الجيش الذي يقوم على الجندية والجندية تمثل عضمة الجيش . إن منبر جدة لم يعترف بالأوضاع الناشئة بموجب قرارات البرهان الصادرة في ٢٥/ أكتوبر/٢٠٢٤م وقد ساوى بين القوتين المتحاربتين بمرجعتيهما العسكرية والسياسية، إن البرهان وأعوانه يتغاضون عن هذه الحقيقة و يتمسكون باخراج قوات الدعم السريع من المنازل ومخاطبة أشواق المدنيين من خلال البند المذكور في اتفاق جدة وفي وأقع الحال هذا البند إذا تم إنفاذه لا يكسب البرهان أي شرعية كما لا يؤثر علي الموقف التفاوضي بالنسبة للدعم السريع ولا علي الأرض، فالواقع على الأرض أن قوات الدعم السريع تحوز على مساحات وأسعة من الأراضي كما وتمكنت من انهاء مظاهر وجود الأجهزة الرسمية للدولة بولايات دارفور باستثناء عاصمة ولاية شمال الفاشر ومدينة أم كدادة ومناطق صغيرة،وأستولت على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وعلى مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار وعلى غالبية ولاية الخرطوم والحديث عن انتصارات للجيش حتى الآن لم يتجاوز محاور محدودة وأرتكازات في أمدرمان والصمود في مناطق في حيازة الجيش وليس استردادها من الدعم السريع ، لقد كان حال الجيش أفضل في منبر جدة وفي منبر المنامة ضعف كثيرا و في ظل مفاوضات جنيف القادمة وضع الجيش أضعف مما سبق وقد تكون مفاوضات جنيف بمثابة طوق نجاة لكل الأطراف، إن المعاناة في العام الثاني للحرب لم تعد كما كان في عامها الأول والدولة في حالة انهيار تام.
نظرية المؤامرة :
النخب السودانية مدمنة بنظرية المؤامرة في نظرتها للقضايا السياسية ويحاول البعض جاهدا تزييف الحقائق بأن كل ما يحدث بسبب الفشل في إدارة الدولة والحرب ونتائجها المدمرة سببها المؤامرة من دول الغرب تجاه السودان وتجاهل السبب الأساسي المتمثل في الصراع على السلطة ما بين الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني وصنيعتهما قوات الدعم السريع وقد أتجهت الحرب نحو الحروبات الأهلية والقيادة السياسية للجيش ممثلة في البرهان والعطا والكباشي وشركاؤها عقار وجبريل ومناي ورصاص ويحيى صارت تستخدم الرمزية القبلية بصورة منظمة لاستقطاب المقاتلين لصفوفهم كذلك تقوم قوات الدعم السريع باستنفار القبائل بذات الكيفية المماثلة . إن المجموعات العشائرية والجهوية تقتال حاليا من أجل المكاسب الذاتية والنفوذ لذلك هذه الحرب ستمتد لسنوات قادمة ما لم تقم جهة لها قدرات ونفوذ دولي بالتوسط الفاعل والمؤثر ، إن البرهان وأعوانه على مستوى القيادة السياسية للجيش يعلمون تماما بأن منبر جدة للمناورة السياسية وإن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد له نفوذه الواضحة على المنبر المذكور ولكن البرهان وزملاؤه يتمسكون بالمنبر المذكور لإظهار أن هنالك انتصارا دبلوماسيا قد تحقق والأمر ليس كذلك على الاطلاق فمنبر جدة يمثل الضمان لبقاء أصابع دولتي السعودية والإمارات في صناعة السياسة السودانية ومستقبل الدولة، الولايات المتحدة تدير العالم لذلك من الأفضل للسودانيين الاتفاق وترسيم سياسة تقوم على مصالحة السودان وشعبه أولا وبصورة مباشرة مع أمريكا أو غيرها وأن لا تقبل بدور المطية لدول الخليج التي تطورت بفعل إدارة سياسات المصالح المشتركة كما ولا تزال النخب السودانية تقص وتروي للأجيال المتعاقبة بأن العقول السودانية ساهمت في بناء الخليج وتلوذ بأوهام نظرية المؤامرة على السودان وتتهم الولايات المتحدة الأمريكية التي تنشط فيها مثل سارة جاكوب عضو الكونغرس الأمريكي بتقديم مشروع قانون لحظر بيع الأسلحة لدولة الإمارات العربية حتى تتوقف الحرب وفي سذاجة متناهية تصر القيادة السياسية للجيش على منبر جدة وهذا المنبر المذكور ضمن أجنداته الأخرى هنالك أيضا الجنود السودانيين الذين يقاتلون في اليمن لصالح دولتي السعودية والإمارات والمصالح الأخرى للدولتين.
انموذج حصار مدينة الفاشر :
حصار مدينة الفاشر يكشف بان الحرب قد أخذ المنحى الأهلي، فالحصار المفروض على المدينة منذ فترة والحرب الدائرة ما بين الجيش والقوات المشتركة من جهة وقوات الدعم السريع والعناصر الأخرى المتقاتلة معها قوامها القبائل، إن سكان مدينة الفاشر في حالة دفاع عن النفس وفرضت عليهم الحرب، والحرب لا تعبر عن المدنيين بمدينة الفاشر والآلاف غادروا المدينة بحثا عن الأمان، إما بالنسبة للأطراف المتحاربة من الطرفين فإن الحرب ونتائجها ترتبط بالنفوذ القبلي على المستويين المحلي والمركزي ومثل حالة مدينة الفاشر هنالك نماذج بتفاصيل أخرى في مدن ومناطق السودان الأخرى ، ولا توجد خطاب للحرب سوى القبيلة أو المصالح والاعتبارات الجهوية والذاتية والاستنفار السياسي للحركة الاسلامية وحزب المؤتمر الوطني ، فالحرب الدائرة في حقيقتها حرب مصالح تدور على رؤوس المدنيين، لذلك من الحكمة النظر لأي طوق نجاة مثل الدعوة الأمريكية لمفاوضات جنيف بالرغم ما بها من قصور نظرة إيجابية والتعاطي الإيجابي معها ومراعاة جوانب المصلحة العامة في وقف الحرب – نواصل