مركز تقدم للسياسات تقدير موقف!
تقديم: انتهت الانتخابات البرلمانية التي جرت في 4 يوليو إلى نتائج مقاربة لما توقعته استطلاعات الرأي لجهة التناوب على السلطة. وأفرجت صناديق الاقتراع عن هزيمة تاريخية ساحقة لحزب المحافظين بقيادة ريشي سوناك وعن انتصار واسع لحزب العمال بقيادة كير ستارمر. لكن الانتخابات أفرجت أيضا عن مفاجآت تتعلق ببعض الأحزاب الأخرى. غير أن انتقال الحكم من اليمين إلى اليسار لا يخفي جسارة أزمة اقتصادية سيكون من الصعب مواجهتها.
وبناء على معطيات الساعات الأولى لهذا الحدث يمكن رصد الملاحظات التالية:
– بنتائج قريبة مما حققه الحزب بقيادة توني بلير عام 1997، حصل حزب العمال على 412 مقعدا مقابل انهيار لحزب المحافظين بحصوله على 120 مقعدا. الأول ربح 211 مقعدا إضافية والثاني خسر 248 مقعدا.
– على الرغم من أن استطلاعات الرأي سبق أن توقّعت خلال الأسابيع الأخيرة وبنمط ثابت هزيمة للمحافظين، لكن النتائج أتت مدوية لا سيما لخسارة شخصيات قيادية مثل ليز تراس وغرانت شابس وبيني موردانت مقاعدها في البرلمان.
– حصل حزب “إصلاح UK” اليميني المتطرّف بزعامة نايجل فاراج على 4 مقاعد، وهذا يًعد اختراقا مهما بالنظر إلى نظام الانتخابات الأغلبي الذي يناسب الأحزاب الكبيرة عادة وليس الأحزاب الصغيرة، ما يمكن أن يؤشّر إلى تأثر البلد بعدوى اليمين المتطرّف في أوروبا.
– يَعِدُ فاراج بالبناء على هذا الاختراق ليكون رئيس الوزراء المقبل عام 2029. فيما تتحدث أوساطه أن الحزب جاء يغطي الفراغ في معسكر اليمين في البلاد الذي سببه ضعف اليمين التقليدي الذي يمثله عادة حزب المحافظين.
– حصل حزب الخضر على 4 مقاعد كما فاز 4 مرشحين مستقلين، منهم جيريمي كوربين زعيم حزب العمال السابق، مستفيدين من دعم شعبي بسبب مواقفهم الداعمة لوقف إطلاق النار في غزّة والمستنكرة للحرب الإسرائيلية هناك.
– بالمقابل فقد جورج غالواي المعروف بمناصرته لفلسطين مقعده الذي حصل عليه قبل 4 أشهر في انتخابات فرعية، فيما فاز منافسه من حزب العمال.
– تمكّن حزب الليبراليّين الديمقراطيين من زيادة عدد مقاعده إلى 71 مقعدا محققا 63 مقعدا إضافيا عن رصيده السابق، ما يجعله يحتفظ بموقعه التقليدي الثالث في مجلس العموم. من جهته فقد الحزب الوطني الاسكتلندي 38 مقعدا محققا خسارة لم تترك له إلا 9 مقاعد في البرلمان.
– صعود وانتصار حزب العمال بزعامة كير ستارمر لم يكن متوقعا قبل سنوات حتى داخل الحزب إثر خسارته لانتخابات عام 2019. ناهيك من أن زعيم الحزب وجه جديد لا يتمتع بالكاريزما القيادية الفذّة فيما برنامج الحزب لا يعتبر انقلابيا ثوريا مقارنة ببرنامج حزب المحافظين.
– واضح أن التصويت لم يكن فقط داعماً لحزب العمال بسبب برنامجه، بل معاقبا بكثافة لحزب المحافظين على أدائه بعد 14 من الحكم. وسيحكم حزب العمال وحيدا من دون الحاجة إلى التحالفات ما يجعله مسؤولا عن مهمة انتشال البلاد من أزماتها في ملفات عدّة.
– يعبّر المراقبون للنظام السياسي في بريطانيا عن قلق من ضعف المعارضة مقابل هيمنة الحزب الحاكم ويعتبرون أن هذا الوضع مهدّد للديمقراطية وللقدرة الرقابية للبرلمان على محاسبة الحكومة.
– لم تتأثر الأسواق المالية بنتائج الانتخابات كونها متوقّعة وتأقلمت الأسواق معها، غير أن مجتمع الأعمال يترقب القرارات الأولى لحكومة كير ستارمر للتأكد من بيئة الاستثمار المقبلة في المملكة المتحدة.
– يتوقع المراقبون أن تحتوي حكومة ستارمر على عدد كبير من الوزراء الذين تلقوا علومهم في المدارس الرسمية. وبالنظر إلى حكومة الظل لحزب العمال، فإن 84 بالمئة من اعضائها قد تلقوا علومهم في المدارس العامة. ويعتبر المراقبون أن حكومته ستكون أكثر تمثيلا لواقع المجتمع البريطاني.
– يشكّك بعض المحللين بقدرة ستارمر وحكومة العمال على تجاوز الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها بريطانيا، لا سيما نسبة المديونية القياسية في تاريخ البلاد الحديث. ويعتبر هؤلاء أن برنامج حزب العمال يبقى متواضعا ولا يمكن أن يحمل حلولا سحرية لمعالجة ملفات عديدة في البلاد.
– اضطر ستارمر إلى تغيير مواقفه الداعمة لإسرائيل والرافضة لوقف الحرب في غزّة باتجاه الدعوة إلى إنهاء الحرب والوعد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. ومع ذلك يبقى موقف حزب العمال متّسقا مع التوجه البريطاني العام المتحفّظ على اتخاذ أية مواقف استثنائية في هذا الملف تكون مناقضة للموقف الأميركي أو متجاوزة له.
– من غير المتوقّع حصول أي تغيير بشأن موقف بريطانيا من مسألة الحرب في أوكرانيا. فحزب العمال أبدى دعما لأوكرانيا وعداء لروسيا، حتى أن زعيم الحزب كير ستارمر انتقد حكومة ريشي سوناك المحافظة في البرلمان وطالبها بتقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا لإلحاق الهزيمة بروسيا.
خلاصة:
تنتقل بريطانيا إلى مرحلة جديدة يقودها حزب العمال “اليساري” منفردا. لكن شكوكا تعتري قدرة الحزب على وراثة إرث ثقيل بعد 14 عاما من حكم المحافظين، خصوصا أن زعيم الحزب لا خبرة له في العمل الحكومي فما بالك برئاسة الوزراء.
**هناك قلق من عدم وجود معارضة وازنة في مواجهة حزب العمال بما يقلص القدرة الرقابية للبرلمان، لا سيما في مواجهة الملفات الداخلية والخارجية.
**يُسجل تقدم لافت لليمين المتطرّف مقابل تقدم لحزب الخضر المحسوب على اليسار وتمكن مرشحين مناصرين لفلسطين من إلحاق الهزيمة لمنافسيهم تحت عنوان نصرة غزّة.
**رغم أن المشهد ما زال عنوانه الحزبين الرئيسين غير أن الانتخابات أظهرت أيضا ظواهر ممكن أن تمهّد لتحوّلات متدرجة داخل المشهد السياسي لصالح تشكّلات ناشئة يمينا ويسارا.
**لا يشكّل التغيير تبدلا كبيرا في السياسة الخارجية للبلاد. فزعيم العمال سيلتحق بقمّة الناتو الثلاثاء في واشنطن ليكون وجهاً متّسقا مع بقية الزعماء الغربيين، لا سيما في الموقف من حرب أوكرانيا.
**رغم تبدّل خياراته حيال المسألة الفلسطينية ووعده بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، غير أن مواقف كير ستارمر تبقى لأغراض الحملة الانتخابية وموقف بريطانيا سيبقى متّسقا مع موقف واشنطن من هذا الملف.