الجمعة, سبتمبر 13, 2024
الرئيسيةمقالاتعين علي الحرب :الجميل الفاضل يكتب :"كھربجية الظلمات" قادمون؟!

عين علي الحرب :الجميل الفاضل يكتب :”كھربجية الظلمات” قادمون؟!

عين علي الحرب :الجميل الفاضل يكتب :”كھربجية الظلمات” قادمون؟!

علي الحرب

حَمَّلَ شاعر الشعب “محجوب شريف” ذات يوم الحاضرين من شعبه، إبلاغ سَلامُهُ لآخرين لما يأتوا بعد من أھل السودان، ھم قيد الخَلقِ والتَكوين، وصف برق عيونھم بأنه لماح، وأن سؤالھم بحد ذاته رد، لأنهم بوصف الرجل الصالح “المحجوب” خفاف، ولطاف، وثابين أوان الجد، ھذا الجد الذي شرح “شريف” بأنه يجيء دفاعا عن حياض “السلم” والإفصاح ما بين منارات السمع والشوف.
المھم يبدو أن ھذا الرجل المُستبصِر، “محجوب شريف” قد إشتم من بعيد رِيحَ جيلٍ قادمٍ نَعتَ صَباياه وفِتيانه جملةً واحدة ب”كھربجية الظلمات”.
مُبشرا بھم وبما سيُحدِثونه من فارقٍ ضخمٍ في الحياة السودانية بقوله:
“تطلع من شقوق الأرض آلاف المدن قامات
ويطلع حتى من قلب الحجر والصى
شجر متشابك الهامات
وجيلا جاي حلو الشهد
صبايا وفتية يمرحوا في صباح الغد
عيونهم برقهن لمّاح، سؤالهم رد،
خفاف ولطاف؛ وثّابين أوان الجد
دفاعا عن حياض السلم والإفصاح
سلِّموا لي عليهم جملة
حتى اللسّه قبل الخلق والتكوين
صُناع الحياة اليوماتي ملح الأرض
نبض الشعر والموسيقى والتلوين
هدّامين قلاع الخوف
نقّاشين جدار الصمت
نساجين خيوط الشمس كهربجية الظلمات
وأجمل ما تكون الدنيا
رسامين حفارين مجارى العصر، نصرا نصر
حروفاً واحلالي تشمهن ترتاح”.
تُري ھل آن أوان أن ندرك المجھول فينا؟ لنعود نغني مثلما كنا نغني حروفا نشمھن نرتاح؟.
ھؤلاء الشباب أو ھذا الجيل المرتقب ذاته كان قد بشر بأثره العظيم في انتاج التحولات المذھلة التي سيشھدھا سودان الغد، الاستاذ محمود محمد طه وھو يقول:
“يستطيع السودان أن يقوم على سند من شباب قوي الأسر، قوي الأخلاق، قوي العزم على القيام بمناصرة الحق، في ثقة، وثبات، حتى لكأنه الطود الأشم، أو لكأنه العيلم المسجور”.
ھذا الشباب قوي الأسر، قوي الأخلاق، قوي العزم، علي مناصرة الحق بثبات في مقبل أيام السودان،
لفتت طَلائعه من ثوار ثورة ديسمبر المباركة أنظار قادة العالم في كافة أرجاء المعمورة، بل وشھدوا لھم بالفرادة والتميز، وأقروا بانھم نساءً ورجالا يجب أن يكونوا قدوةً تحتذي لنساءِ ولشبابِ الدُنيا برمتھا.
تأمل معي بعمق ما قاله سفير دولة السويد بالخرطوم أبان الثورة التي قال أنها ثورة يصعب مقارنتھا بأي تجربة جرت في أي مكان آخر علي ظھر ھذا الكوكب، السفير هانس هينريك ليندكويست يقول بالحرف الواحد: “الثورة السودانية تجربة فريدة، ومن الصعب أن نقارنها بما حدث في أي مكان آخر”.
وفي ذات سياق الإعتراف بفرادة هذه الثورة وتميزها، قالت كذلك مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشئون الإفريقية، مولي كاثرين في: “انها قد عملت في مناطق شتي من العالم، بيد أنها لم تجد عزما وتصميما، كالذي وجدته لدي الشباب السوداني الثائر”.
ثم شهادة كبري تعزز إعترافات كثير من قادة العالم بخصوصية ھذه الثورة عما سواها من ثورات، جاءت أيضا من رئيس الولايات المتحدة “جو بايدن” الذي قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل نحو عامين أو أكثر: “يعيش في السودان النساءُ الشُجاعاتُ اللاتي تصدين للعنف والقهر لكي يُخلع دكتاتور الإبادة الجماعية من منصبه، واللاتي يواصلن العمل يوميًا للدفاع عن التقدم الديمقراطي”.
نِساءٌ ليست اخرھن بالطبع من قالت “لا للحرب” بوجه قائد الجيش الحالي “البرھان”، باسم نساء السودان كافة، من الإقليم الشمالي، رغم رعب أحكام الاعدام التي صدرت بحق أكثر من فتاة بھذا الإقليم وبغيره.
لقد كان ثُوار السودان نساءً ورجالا قبل ھذه الحرب اللعينة مضربا للمثل أنظر ما قاله الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون ناصحا ذوي السترات الصفراء من بني جلدته في باريس في العام (٢٠١٩): “انظروا إلى الثورة السودانية وسِلميّتها، وقد شارَك فيها أكثر من (5) ملايين معتصم، ولكن لم نر عنفاً أو مُمارسات غير أخلاقية، ويجب أن نعي جميعاً الدرس بأن مؤسسات الدولة ملكٌ للشعب”.
ذلك بعكس ھذا الوجه القبيح تماما الذي أبرزته حرب قوي الثورة المضادة الآن.
والي ذلك قول وزير خارجية فرنسا السابق جان إيف لودريان الذي عزّز قول ماكرون بقوله للسودانيين انذاك: “لقد كان تصميمكم مدهشاً وأنتم تسعون من أجل الحرية وتتفادون كل مُنزلقات العنف، لقد تابعنا برعُب وغضب استخدام العنف ضد الثوار، وتابعنا بإعجاب تحلِّيكم بالنضج والمسئولية والهدوء في ظرفِ قمع عنيف”.
إذاً ھي ثورة مباركة بھرت العالم بِسلمِيتھا، حيثُ تحلي شبابها في مواجھة قمع عنيف بالنضج، والمسئولية، والھدوء، وتجنب منزلقات العنف، قبل أن يظھر علي سطح الأحداث في السودان، المتعطشون لإراقة كل الدماء، بفظائع ارھابية، ما أنزل الله بھا من سلطان، تَفَوَّقَ أكلة الأحشاء والأكباد فيھا، حتي علي نموذج داعش الاسوأ في العالم.
المھم تبقى ثورة ديسمبر المباركة التي بت أشتم اليوم ريحھا من جديد؛ واسمع شيئا من حراك طلائع بعثھا من بعيد، تدب كدبيب النملة السوداء، علي الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء.
ھي تجربة فريدة يقيني أنھا اليوم بسبيلھا لأن تتجدد، اذ ھي في الواقع تجربة لا يمكن مقارنتها باي حراك ثوري جري في هذه المنطقة، أو حتي مقارنتها باي انتفاضة شعبية، او هبة ثورية في السودان، أحدثت تغييرا سطحيا اقتصر علي إستبدال الوجوه، وتبادل المواقع، تغييرا لم يطال أبنية، وقواعد، ونظم الدولة.
ھذا التغيير الذي أعتقد أنه لا يفصلنا عن حدوثه الآن كما ينبغي، سوي سكوت البنادق في وقت عاجل وقريب بإذن الله.
إذ لأكثر من خمسة أعوام تقريبا، بصيفها وخريفها وشتائها، بسيولھا وأمطارھا، بحربھا وجنونھا، وكوارثھا، ونزوحھا ولجوئھا، ظلت بلادنا تشھد، وبلا انقطاع، ما يشبه المُعجزة، يحدث بشكل شبه يومي.
مُعجزةٌ يكتب فصولها على الأرض، مُتغيرٌ خَفيٌ يَعملُ بلا توقف، وإن لم يؤبه لأثره الخفي المتعاظم يوما بعد يوم، علي مسارات الأحداث ومجرياتھا.
ھو مُتغيرٌ دقيقٌ خَفي ظل بطبيعة حاله ساري المفعول، ينشط، يقود، بوصلة الأمور يوجھھا بِدقةٍ متناھية، نحو بلوغ غاية التغيير القصوي، إستكمالا لأھداف ثورة ديسمبر المباركة، بالنقطة والشولة، والتي لن يغادر في ظني من أھدافھا المعلومة بالضرورة، صغيرة أو كبيرة إلا وھو بالغھا في النھاية.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات