عُــــــروة الصّــــــادق يكتب:`الزلزال الجيوسياسي في السودان على منضدة الاتحاد الأفريقي`
● بينما تتصاعد ألسنة اللهب في أرجاء السودان، ويخيم الظلام على آمال شعبه في السلام والاستقرار، يتواصل الصراع بلا هوادة ليخلف وراءه مشهدًا من الدمار الإنساني والجيوسياسي يهدد مصير الأمة، فالأزمة السودانية اليوم تجاوزت حدود الخلافات المحلية، وأصبحت صراعًا إقليميًا ودوليًا تتداخل فيه مصالح الأطراف المختلفة، وهو ما يهدد بإغراق البلاد في هاوية أعمق من أي وقت مضى، وتحت قبة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، رغم تكرار الحديث عن السودان، ما زال العالم يتفرج على عجز المجتمع الدولي والإقليمي في صياغة رؤية استراتيجية لحل الأزمة، ويستمر الصراع في كبح جماح طموحات الشعب السوداني في بناء دولة حرة، عادلة، وديمقراطية.
– وتستمر وحشية الحرب السودانية وآثارها الجسيمة، فالحرب التي تجتاح السودان اليوم ليست مجرد صراع بين قوتين عسكريتين، بل هي مذبحة حقيقية يروح ضحيتها كل شيء: الأرواح، الأرض، والمستقبل، وفيها تسفك الدماء على الأرض، وتتعالى صيحات الأطفال والنساء في مدن الخرطوم ودارفور وكردفان ومدن النزوح وعواصم اللجوء، بينما يجلس العالم في مقاعده يتبادل الحديث عن ضرورة “إيجاد حل”، لكن الحل ليس مجرد كلمات بل هو وقفة حقيقية من قبل القوى الدولية التي يجب أن تضع حداً لهذه المجزرة.
– لقد أفضت الحرب إلى تفجير وتدمير البنية الاجتماعية والسياسية التي كانت قائمة وتنذر بتفكك الأوضاع القادمة، كما أدت إلى نزوح الملايين من أبناء الشعب السوداني، بين نازح داخلي ولاجئ إلى الدول المجاورة، إلا أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في مشهد غير مسبوق من العجز، تتسابق لتوفير أدنى احتياجات الناس الأساسية، في وقت يحتاج فيه السودان إلى تدخلات جادة، وليس مجرد مساعدات عابرة لم تفِ كثير من الدول بالتزامات الاستجابة الإنسانية واكتفت فقط بإعلان تعهداتها وتبرعاتها.
– إن الزلزال الجيوسياسي الحالي وأثره على السودان والمنطقة سيكون أكبر من كل احتمال وتوقع، فالحرب السودانية ليست مجرد صراع داخلي، بل هي حجر زاوية في خريطة جديدة للمنطقة برمتها، فالمصالح الإقليمية والدولية تداخلت بشكل فوضوي، وأسهمت في تعقيد الأزمة في ليبيا، وفي تشاد وجنوب السودان، وفي إثيوبيا، وفي دول أخرى، تتداخل مصالح اللاعبين المحليين والإقليميين في مسارات متوازية بين مصر والإمارات، أو حتى متناقضة بين الولايات المتحدة وروسيا، ما يضع السودان في مهب الريح بين القوى الكبرى في المنطقة.
– لم يعد الحديث عن السودان محصورًا في حدود البلد ذاته، بل أصبح جزءًا من لعبة كبرى تهدف إلى فرض نفوذ القوى الإقليمية والدولية وتنفيذ مخطط تقسيمي صاغته منذ عقود المخابرات الاسرائيلية، والتحالفات الآنية والعرضية التي نشأت على أساس المصالح الضيقة تهدد بأن السودان سيكون أرضًا خصبة لصراعات أخرى قد تطول آمادها وتمتد نيرانها لتحرق مياه البحر الأحمر وتتمدد للعمق الأفريقي وتلتهم قرنه، ما لم يتدخل المجتمع الدولي بشكل قوي ومؤثر.
– لطالما كان الاتحاد الأفريقي منبرًا للسلام في القارة، لكن دوره في الأزمة السودانية لم يكن بالمستوى المنتظر، رغم موقفه القوى والحاسم ضد انقلاب أكتوبر 2021م، فقد استمر في السير على طريق المفاوضات العقيمة، واكتفى بإصدار بيانات استنكارية تنديدية رتيبة، دون أن يمتلك القدرة أو الإرادة للضغط على الأطراف المتحاربة، وعندما يُسحب الزمان والمكان من تحت أقدام الشعب السوداني، يصبح من غير المقبول أن يظل الاتحاد الأفريقي مجرد متفرج على الأحداث، بدلاً من أن يكون لاعبًا فاعلًا حقيقيًّا في تحقيق السلام.
– النظام الدولي برمته معطوب وعطن ويتطلب إصلاحات حقيقية واستراتيجيات ومقاربات جادة وحاسمة، لا مجرد تصريحات دبلوماسية فارغة لا تسمن المسغبين أو تغني المعدمين أو تؤوي اللاجئين، وليس هناك وقت للانتظار في مسار المفاوضات اللامنتهي، بل يجب أن يضع الاتحاد الأفريقي أجندة طارئة تنطلق من مبدأ واحد: وقف الحرب فورًا، وسحب القوات العسكرية من المدن، وفرض حظر طيران عسكري على المدن الآمنة، ودعوة جميع الأطراف السودانية إلى طاولة حوار حقيقي تحت إشراف دولي.