عُــــــروة الصّــــــادق يكتب : الدور المصري المريب إعمار أم اسعمار؟؟!!
ما عاد بياض النية وحده كافٍ لخطب ود الجوار، فالمشهد السوداني يعيش مرحلة بالغة التعقيد، ففيه تتشابك المصالح الإقليمية مع حالة الفوضى الداخلية للقوى السياسية المتنازعة، والقوى العسكرية المتحاربة، والقوة الإجتماعية التي فتت عضدها خطابات عنصرية، ويأتي التدخل المصري كأحد أخطر العوامل التي تهدد الاستقرار والسيادة والوحدة السودانية، ولم يعد التدخل المصري مقتصرًا على التآمر على الثورة وإجهاض التحول المدني ودعم انقلاب أكتوبر 2021م أو حرب أبريل 2023م، ولم يقف عند التبني السيسوي السياسي لنخبة تأتمر بأمره أو التعاون الاقتصادي أو المشروعات الثنائية (بين الجيشين وجنراليهما وشركاتهما)، بل بات يُدار في إطار استراتيجي خفي يسعى للهيمنة على الموارد السودانية الأساسية، مثل الأراضي الزراعية، الثروات المعدنية، والمياه، من خلال واجهات ظاهرية تعمل لصالح جهات عسكرية وأمنية مصرية، مستخدمة أساليب ناعمة في البداية ثم تتحول إلى سيطرة فعلية على القطاعات الحيوية، أشبه بسياسات التوسع الصهــــ.ــيوني الاستيطاني. – ففي قطاع الزراعة نشهد تدخلاً مصريًّا منظمًا ومدروسًا وخبيثًا، حيث وقّعت شركات مصرية مثل الشركة القابضة للصناعات الغذائية، والشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات اتفاقيات طويلة الأجل لاستغلال مئات الآلاف من الأفدنة في ولايات الجزيرة والنيل الأبيض والقضارف، هذه الاتفاقيات غالبًا ما تمت دون استشارة الملاك المحليين أو المزارعين السودانيين، مما يعني تهجير آلاف الأسر من أراضيهم التقليدية، ويتم تصدير معظم الإنتاج الزراعي، مثل القمح والذرة وفول الصويا والأرز، مباشرة إلى مصر، مما يُحدث أزمة في السوق السوداني من حيث نقص المحاصيل الأساسية وارتفاع أسعارها بنسبة تصل إلى 45% في العام الأخير. – الآلية المتبعة كانت عبر اتفاقيات بين الحكومة السودانية وأطراف مصرية بغطاء من القوات المسلحة السودانية ورعاية برهانية، حيث تتحول الأراضي الزراعية إلى مشاريع “مشتركة” تديرها فعليًا شركات مصرية تعمل لصالح السوق المصري لآجال قد تصل لــ(99) سنة عجاف، بينما يُترك السكان المحليون بلا تعويضات مجزية أو إجارات كافية أو بدائل معيشية، وشركات أمنية مثل “فالكون للأمن والحراسة” و”الشركة الوطنية للنقل الثقيل”، التي تُدار بشكل غير مباشر من قبل مؤسسات أمنية مصرية، تتولى حماية هذه المشاريع لضمان استمرارها دون أي مقاومة محلية، وستعمد حكومة الأمر الواقع على إصدار قوانين نزع (أحكار الأراضي) التي لم تجدد أو تستصلح في السنوات الأخيرة أو المملوكة لمطالبين بأموال للبنوك. – لكن الأخطر يكمن في قطاع التعدين، وخاصة تهريب الذهب السوداني، وتشير التقارير إلى أن ما يقرب من 80% من إنتاج السودان من الذهب يُهرب سنويًا إلى مصر، بقيمة تتجاوز 8.1 مليار دولار، هذا التهريب يتم من خلال شبكات معقدة تتعاون فيها شخصيات نافذة في الجيش السوداني مع أطراف مصرية، وتستخدم مسارات تهريب برية ومهابط جوية وعبر وفود رسمية وطائرات تقل دستوريين، حيث يتم خلط الذهب بمواد أخرى لإخفاء هويته قبل نقله إلى القاهرة، يتم تكرير الذهب المهرب وبيعه في الأسواق العالمية بأسعار مخفضة عبر منافذ مصرية وإماراتية، مما يحرم السودان من عائداته ويُعمق أزمته الاقتصادية، وهو ما عطل قيام مصفى الذهب في السودان. – شخصيات نافذة في المشهد السوداني تلعب دورًا محوريًا في تسهيل هذه العمليات سنورد أسماءهم تباعا، من بينها مسؤولون كبار في أجهزة نظامية سودانية يتعاونون مع جهات أمنية مصرية لضمان سلاسة التهريب، وبعض هذه الشخصيات تُقدم نفسها كوسطاء (سماسرة) في مشاريع “تعاون استراتيجي”، لكنها فعليًا تعمل لصالح شركات تهريب عالمية ترتبط بشبكات مصالح عابرة للحدود. – من الناحية اللوجستية هناك شركات النقل والموانئ المرتبطة بالقوات المسلحة المصرية تتولى نقل هذه الموارد، بينما شركات وهمية مسجلة بأسماء سودانيين تُستخدم كواجهة لتغطية النشاط الحقيقي، على سبيل المثال في شرق السودان، تُستخدم الموانئ الرئيسية لنقل الذهب والمحاصيل الزراعية إلى مصر بآليات تسهلها اتفاقيات النقل الثقيل والممرات الخاصة، وهذه الشبكات تجعل من شبه المستحيل مراقبة أو تتبع حركة الموارد المهربة، بالإضافة لجرافات صيد عشوائي في مناطق يحظر فيها الصيد في مواسم تكاثر بعض الأنواع النادرة للأسماك والمخلوقات البحرية، بالإضافة للبدء رسميا في عمل تنقيب مصري هائل عن المعادن والنفط والغاز الطبيعي في مربعات حلايب وشلاتين البرية والبحرية. 》》》 يتبع 》》》