قراءة في تصريحات المبعوث الأميركي الخاص حول منبر جنيف الحصار الداخلي والخارجي يضيق خيارات البرهان، والدعم السريع يتهيأ لحصاد دبلوماسيته الناجحة
ذو النون سليمان، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات
ملخص تقدير موقف.
تقديم: كشف المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو عن تواصل قديم بينهم وبين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان قبل نحو شهرين حول المبادرة الأمريكية لوقف إطلاق النار وإطارها التفاوضي، وأنه قام بقبول الدعوة وفق جدول زمني توطئة لإجراء ترتيباته الداخلية. مشيرا إلى أن الدعوة وجهت للبرهان بصفته القائد العام للقوات المسلحة إلى جانب قيادات عسكرية أخرى من الجانبين المتحاربين.
-أكد على استمراره في البحث عن كل فرصة للتشاور مع البرهان وكذلك قيادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع و الشعب السوداني في هذه العملية لتعميق المشاورات.
-ذكر إن قادة الجيش السوداني قد اعتذروا عن عقد مباحثات مباشرة معه في مطار بورتسودان بعد أن منعت التقديرات الأمنية لبلاده الاجتماع بالمسؤولين السودانيين في مقر البرهان.
-المسار الأفضل هو مشاركة القيادات العليا في قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية المستعدة للتفاوض على صفقة وفق خارطة طريق مختصرة، وإذا لم يتمكن من القيام بذلك، فسيمضي لخيارات أخرى يعتقد أنها يمكن أن تعمل على إنهاء العنف في السودان.
-أكد المبعوث دعوة خمسة مراقبين، وهم الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، مصر، الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب دول أخرى، مؤكدًا العمل بشكل وثيق مع مصر، إلى جانب تواجد شركاء آخرين معنيين بالملف في العملية التفاوضية.
-أن تصميم الجولة الأخيرة من المفاوضات على أساس عملية جدة يستند إلى توافق الجهات الفاعلة داخل السودان وخارجه، والتزامها المشترك بتحقيق السلام ووقف إطلاق النار وإنفاذه، وأن المعيار لمفاوضات وقف إطلاق النار هو دعوة القوى المتحاربة كمقاتلين.
تحليل:
1-تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص للسودان ،تأتي على خلفيات موقف الجيش وشركائه الإسلاميين من المبادرة، الذي شابه الغموض, على الرغم من دخولها في الأسبوع الثاني منذ الإعلان عنها, وهى تصريحات أتت مفسرة للمبادرة من حيث المعايير, وتفند ادعاءات البرهان والخارجية السودانية حول عدم مشاورتهم في منبر جنيف, وهو ما أكده المبعوث، بأنهم تواصلوا قبل شهر مع البرهان حولها, بالإضافة لزيارات المبعوثين الدوليين وعدد من الوسطاء لبورتسودان حول ذات الأمر.
2-الشيء الثاني, أن تصريحات المبعوث أكدت أن الدعوة وجهة للبرهان بصفته قائدا للجيش, بحكم طبيعة المبادرة الهادفة لوقف اطلاق النار بين المتقاتلين, انطلاقا من تعريفات منبر جدة لطرفي الصراع, وهو ما تحاول بورتسودان تغييره, وفرض شرعيتها من خلال التفاوض بصفة الحكومة الممثلة للشعب السوداني.
3- تصريحات المبعوث الأمريكي أوضحت مرونة المبادرة وإمكانية العمل على مراجعة التحفظات الإجرائية الواردة في بيان الخارجية السودانية وتصريحات البرهان الجماهيرية, مثل وجود دولة خامسة في فريق المراقبة, ذهب كثير من المراقبين على أنها دولة قطر, كعامل اطمئنان لتحفظات البرهان حول الإمارات, خصوصا بعد تقارب الدوحة وبورتسودان بعد فتور دام عامين, شهد تطورا ملحوظا نتج عنه زيارة وزير الدولة بالخارجية القطرية وإيداعه وديعة استثمارية بلغت نصف مليار دولار لدعم الاقتصاد السوداني المنهار.
4-تؤكد بعض المصادر الخاصة أن البرهان يرى بضرورة المشاركة في المبادرة الأمريكية ووضع شروطهم و تحفظاتهم علي طاولة جنيف, وهو ما ترجح العديد من المؤشرات حدوثه, أوضحها، الحالة الخلافية بين أعضاء المجلس السيادي من العسكريين وتلويح بعضهم بالاستقالة, واستمرار بقاء نائب القائد العام الفريق أول شمس الدين الكباشي المشرف علي مفاوضات جدة وتفاهمات المنامة بمصر في رحلة ظاهرها العلاج وإشاراتها تدل على موقفه من المبادرة الأمريكية التي يرى،- بحسب المصادر- ضرورة الاستجابة لها قياسا على الواقع العسكري والاقتصادي والعواقب الدولية والإقليمية المترتبة على الرفض. تصريحات توماس بيريلو باستخدام بدائل أخري في حال عدم استجابة الجيش للمبادرة الأمريكية تعتبر رسائل تهديدية في بريد البرهان، بتحميله مسؤولية الكارثة الإنسانية واستمرار الحرب واستخدام إجراءات عقابية ضده، تتجاوز العقوبات التقليدية وتهدد استمرارية سلطته.
خلاصة:
•أكدت تصريحات المبعوث الأمريكي أن مبادرة جنيف حول التفاوض المباشر بين القيادات العليا في الجيش والدعم السريع لوقف إطلاق النار كانت بمشاورة مسبقة تمت بين الطرفين قبل إعلانها على لسان وزير الخارجية الأمريكية، وأنهم أعطوا البرهان الوقت الكافي لحسم خلافاته الداخلية بين حلفائه الإسلاميين وبعض الحركات المسلحة ، ولم يعد أمامه إلا الخروج من المنطقة الرمادية، من خلال مفاصلة كاملة مع الإسلاميين أو بمواجهة مباشرة مع الغرب وحلفائه الإقليميين، مما قد يعني ظهور مفاعيل إقليمية جديدة في الحرب تصب في صالح موقف قوات الدعم السريع عسكريا ودبلوماسيا، خاصة بعض الدخول الإيراني والروسي على خط الصراع