نزوح دامي.. ومعاناة النازحين الفارين من جحيم الحرب
كتب.. حسين سعد
نزوح دامي. تعاظمت معاناة النازحين الفارين من جحيم الحرب بالسودان منذ أبريل ٢٠٢٣م وحتى اليوم .الناس تعاظمت مع هذه المعاناة مع موسم الأمطار الحالي التي سوف تزيد الطين بله وتعمق معاناتهم، مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي والانترنت وفقدان كسب العيش والنزوح والتشريد من المنازل التي نهبت والزراعة التي تناقصت مساحتها مع نذر المجاعة ونهب أصول مكاتب وتفاتيش شيخ المشاريع الزراعية مشروع الجزيرة والمناقل وتهديد المشاريع الأخرى بالسودان
وتشير منظمات الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة الي ان النازحين سيواجهون ظروف قاسية، ونقصًا حادًّا في الغذاء والدواء والعلاج، ومعظم الوسائل والأدوات الأساسية في الحياة اليومية، بالتزامن مع تغيرات مناخية حادّة.
وحياة قاسية.. نزوح دامي
الجدير بالذكر أنّ معظم النازحين يقطنون في معسكرات شبه متهالكة لا تقي ساكنيها من حرّ شمس ولا من برد شتاء، علاوة على افتقارها لأبسط الخدمات ومقومات الحياة، ما ضاعف من معاناة هذه الأُسَر، وفي مقدمتهم النساء والأطفال وكبار السن، إلى جانب المرضى، الفئات الأكثر تضررًا من الأوضاع المأساوية في تلك المعسكرات. أما حال المحظوظين من النازحين فهم في منازل ارهقهم الإيجار بينما لجأ آخرين الي أهاليهم ببعض الولايات مثل القضارف وكسلا بورتسودان وعطبرة وشندي والدماذين وحلفا ودنقلا وكوستي وربك والدويم والمناقل و النهود
اما الذين نزحوا الي الأرياف والقري انقطعت عنهم الكهرباء والعلاج والانترنت حرب السودان حاصرت أحلامهم ووأدت أمنياتهم، فأضحى الركام والحطام صورة قاسية ومشهد متكرر كل لحظة.
والأطفال.. نزوح دامي
هذه الحرب مثلما فعلت بالرجال والنساء والشباب سرقة براءة الأطفال وحاضرهم ومستقبلهم الرصاص طال مدارسهم، ولا يعلمون مصيرهم المجهول عقب دخول عامهم الثاني وهم بعيدين
ألعابهم وكتبهم، والأجواء العائلية نفضوا نار الحسرة المشتعلة في قلوبهم، وجعلوا من الشارع المنكوب منفسا لطاقتهم الطفولية، وطاقة الغضب المسيطرة على جوارح الشعب الذي وقف الحرب والسلام.
النساء ..احلام وامنيات
وعندما كنت بالخرطوم والجزيرة ممضيا نحو ١٤ شهر على الحرب كنت شاهدا شاف كل حاجة لحياة النساء وبعضهن تستحضر أحلامها وأمنياتها، وتعيد أياما خلت مع عائلتها وأبنائها الذين يتواجدون في معسكرات النزوح واللجوء،وسط كارثة إنسانية وقصف متواصل وأجواء لاهبة، تطل قصص من فوهة بركان الحرب العبثية ،المرأة السودانية تكابد أحزانها المتراكمة في حرب قاسية الملامح، وكأنها تتحدث إلى أنقاض المنازل المدمرة بأحوال عائلات تتجرع مر الحياة.
وكل يوم تقدم صور مأساوية للحياة اليومية للنازحين، وعندما اتحدث بمعارفي وأصدقائ عبر الواتساب أو الفيس بوك استمع إلى قصص حزينه في طريقهم هربا من تلك الحرب إلى مناطق أخرى، حيث واجهوا ظروفًا قاسية ومأساوي تجسد
قسوة الوضع الذي يواجهونه
وفي حديثي مع مواطن تعرفت عليه عبر صديقي الذي حكي تلك الرحلة من مدينة الي أخرى ويقول ذلك المواطن الذي فضل حجب اسمه انه عندما بدأت الحرب في الخرطوم كان يقيم بالخرطوم برفقة اسرته الصغيرة، في أحد أحياء محلية شرق النيل، والتي سيطرت عليها قوات الدعم السريع منذ اليوم الأول للحرب. وأضاف مكثنا بالحي مدة عشرة أيام عشنا فيها وسط أصوات الرصاص الذي لا ينقطع ليل نهار، وقصف الطائرات والمضادات الأرضية وشبح الموت التي كان يحلق في كل مكان. ومنذ اليوم الأول للحرب أغلقت المحال التجارية أبوابها، وأصبح الحصول على المواد الغذائية أمراً شاقاً ويتطلب الحركة إلى مناطق أخرى، مما يجعل التعرض للمخاطر أمرا وآرداً. ففي أحد الأيام كنت أبحث عن خبز، وقادني البحث لمخبز بشارع رئيسي حيث تم ايقافي في أحد الارتكازات التابعة للدعم السريع، وطلب مني أحد الجنود اعطاؤه وثيقة إثبات الشخصية، وارجعها إلي بعد أن تمعن فيها لوهلة فأتى أحدهم مهرولاً نحوي وهو يصيح متسائلاً “دا عسكري؟” ودون أن يكتفي بافادة زميله بأنني موظف قام بتناول وثيقة إثبات الشخصية من يدي وأخذ يتمعن فيها لفترة من الزمن شعرت خلالها أنه يفكر في طريقة ليأخذ عربتي وهاتفي، وفي النهاية أرجع لي الوثيقة وسمح لي بالتحرك.
نزوح متوالي..
من وقتها قررت المغادرة لأحد أحياء مدينة بحري، والذي لم تصل إليه الحرب حتى ذلك الوقت. وبالفعل غادرنا منزلنا في ثالث يوم من عيد الفطر بعد أن أجرينا الكثير من الاتصالات لمعرفة أي الطرق المناسبة نسلكها لنصل بأمان. وبعد أيام من ذلك أصبحت المنطقة مسرحاً لمعارك طاحنة بين طرفي الحرب اجبرت معظم السكان على مغادرة المنطقة. وتابع.. هذه المرة نزحنا إلى إحدى قرى الجزيرة. وفي آخر نقطة تفتيش سألنا أحد أفراد قوات الدعم السريع ساخراً “ماشين وين؟ خليتوا بيوتكم للكدايس؟”، وبعدها سمح لنا بالمغادرة. وجدنا القرية مكتظة بالنازحين، وامتلأت جميع المنازل والمدارس بالنازحين. انتقلنا بعد ذلك لمدينة ود مدني، وتنقلنا بالسكن في ثلاثة منازل، حيث وصلت أسعار إيجارات المنازل لمبالغ مالية كبيرة وغير معقولة. كانت، ومازالت، هذه واحدة من أكبر التحديات التي واجهت وتواجه النازحين، جشع أصحاب العقارات. وبالجانب الآخر هنالك مواطنين وفروا مساكن بدون مقابل للنازحين، كما قدم الكثيرين من المواطنين، في القرى والمدن، مساعدات عينية ومادية لغرف الطوارئ واللجان العاملة في مساعدة النازحين.
العودة للبيت القديم..
واصل محدثي قائلا.. بعد دخول قوات الدعم السريع في ديسمبر ٢٠٢٣م الي مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة عدنا للقرية والتي دخلوها بعد ثلاثة أيام من دخولهم ود مدني وشهدنا كيف روعوا المواطنين وكيف سرقوا ممتلكاتهم ومقتنياتهم ومحاصيلهم الزراعية، حتى الأسمدة والبذور لم تسلم من ذلك. وشهدنا كيف أصاب جنودهم الشباب بالرصاص الحي لمجرد أنهم حاولوا إثناءهم عن سرقة السيارات ومقتنيات المواطنين الاخرى. شهدنا رعب الأطفال من صوت الرصاص الذي يطلق بلا سبب.
نزوح مؤقت..
وأضاف.. نزحنا بعد ذلك لمدينة سنجة بولاية سنار وقضينا فيها فترة أربعة أشهر من الاستقرار النسبي حيث أدخلنا أطفالنا المدارس واندمجنا في حياة المدينة، وكون أطفالنا صداقات مع اقرانهم. وفي إحدى الليالي، وقبل دخول جنود الدعم السريع للمدينة بثلاثة أيام سمعنا بأن اشتباكات قد حدثت في سنار بين الجيش والدعم السريع، ولأن سنجة قريبة من سنار فقد قمنا بتوضيب حقائبنا استعدادا للنزوح في صباح اليوم التالي، الوضع الذي أدخل أطفالنا في حالة من الحزن بسبب أنهم سيفارقون أصدقائهم مرة أخرى. وأشار ضيفي.. هذه واحدة من المشاكل الغير منظورة والتي لا يتم ايلائها الاهتمام الذي تستحقه عند التحدث عن مشكلات النزوح. ففي كل منطقة ننزح إليها كان أبنائنا يكونون صداقات مع اقرانهم ولكن سريعا ما تنتهي تلك الصداقات بسبب نزوح جديد. وبالعودة ليوم دخول جنود الدعم السريع لمدينة سنجة أذكر أنني قد عدت من السوق قبل اجتياح المدينة بربع الساعة، كانت الحركة في السوق عادية، وقبل أن أدخل المنزل تبادلت أطراف الحديث مع رواد بقالة في المبنى المجاور لسكني وتركز الحديث عن زيارة البرهان، في ذلك اليوم، لمدينة سنار وكان يبث عبر المذياع وقتها تحليلاً سياسياً يقول فيه المقدم أن قوات الدعم السريع قد هزمت في كل محاور القتال وان سبب هجومها على مدينة سنار هو البحث عن مخرج آمن للفرار لدولة جنوب السودان.