الأربعاء, سبتمبر 11, 2024
الرئيسيةمقالاتفشل مفاوضات جنيف قبل انعقادها. محدودية رؤى الوسطاء والأطراف (٦) .

فشل مفاوضات جنيف قبل انعقادها. محدودية رؤى الوسطاء والأطراف (٦) .

فشل مفاوضات جنيف قبل انعقادها.محدودية رؤى الوسطاء والأطراف (٦) .

بقلم : الصادق علي حسن

عدم وضوح الرؤية : فشل مفاوضات جنيف

مؤخرا أظهرت الولايات المتحدة اهتماما ملحوظا بمآلات الأزمة والحرب الدائرة في السودان ونشطت وزارة الخارجية الأمريكية كما وجه وزيرها أنتوني بلنكين دعوة لطرفي الحرب للدخول في مفاوضات مباشرة لوقف الحرب بجنيف في منتصف أغسطس الجاري ، صحيح الاهتمام الأمريكي الملحوظ على هذا المستوى الرفيع  جاء متأخرا، وقد حاول البعض ربط هذا الاهتمام بالإنتخابات الأمريكية ومحاولات الحزب الديمقراطي تعزيز موقفه الإنتخابي المتراجع لصالح الحزب الجمهوري ومرشحه ترامب في إنتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة في نوفمير القادم ٢٠٢٤م، ولكن مهما كانت أسباب ودوافع الاهتمام الرسمي الأمريكي المتزايد ففي الاهتمام فرصة يجب الاستفادة منها وتوظيفها في خدمة الهدف المنشود بالعمل على وقف الحرب والنظر في قضايا السلام وانتشال الدولة السودانية من دائرة الانزلاق في أتون الحروب الأهلية ، لم تسبق دعوة الخارجية الأمريكية لمفاوضات جنيف أعمال تحضيرية كافية ، كما ولم تراع الخارجية الأمريكية في توجيه الدعوة جوانب متعلقة بطبيعة المجتمع السوداني وإنسانه الذي يمكن أن يرى في طريقة هكذا دعوة للمفاوضات في ظل الظروف الراهنة  للحرب الدائرة نوعا من محاولات الإملاءات الأمريكية خاصة في جانب موقف البرهان الذي يمكن لمسانديه  المغالاة في الرفض والمطالبة بعدم الإستجابة لدرجة بروز أصوات من معسكره تصف أي توجه نحو الاستجابة للدعوة الأمريكية بالخذلان واظهار الضعف ، لقد كان الأجدى أن تقوم الخارجية الأمريكية بنقل دعوتها لطرفي الحرب أولا لأخذ العلم بها قبل نشرها للرأي العام ، كما وكان الصحيح أن يقابل ممثل الرئيس الأمريكي توم بيرييلو البرهان أو من يمثله في داخل مدينة بورتسودان وفي مكانه طالما وصلها لذلك الغرض، أما الأسباب والتقديرات الأمنية التي ترجع لحكومة بلاده والتي ذكرها و منعته من دخول المدينة والاكتفاء بالانتظار بمطار بورتسودان للإجتماع بقائد الجيش بالمطار فلا تفي لاقناع الرأي العام السوداني المؤيد والرافض على السواء، والمنطقي طالما أن المدينة غير آمنة فمن باب أولى أن يكون مطارها أيضا غير آمن، إن ترتيبات الولايات المتحدة الأمريكية لمفاوضات جنيف أظهرت القصور وكأن الولايات المتحدة الأمريكية تحمل في يدها العصا المدبب ويعضد ذلك تصريحات منسوبة لبيرييلو ذكر فيها بأن هنالك خطة بديلة في حالة عدم الوصول لنتائج في مفاوضات جنيف، هذه الطريقة الأمريكية قد لا تأتي بنتائج ايجابية في الحالة السودانية ، كما وبعد إعلان المفاوضات وزمانها ومكانها تكاد تكون نتائجها باتت محصورة في قبول البرهان بالمشاركة فيها بوصفه القائد العام للجيش أو رفضها ليواجه العواقب ، ولم تتحسب الولايات المتحدة لنظرة وتقييم البرهان لنتائج القبول ومستقبله في السلطة وهو يعلم تمام العلم بالعواقب الوخيمة الناجمة عن مثل هذه الخطوة والأمر ليس كله بيده ، كما لم تتحسب الولايات المتحدة لأفتراض قبول البرهان بالمشاركة لغرض تفادي العصا الأمريكية هذه المرة ومحاولة تحويل المفاوضات من غرضها الأساسي إلى محاولة الحصول على الاعتراف من الولايات المتحدة لنظام حكمه والدفع بعناصر من الخارجية السودانية بمثلما حدث سابقا بالدفع بعناصر من شركائه في السلطة ومن القيادات الأهلية لباريس ثم جنيف وهي تحمل رسائل مغايرة لموضوع الدعوة ، فيستغل البرهان حالة الإستجابة والمفاوضات والدفع بمرؤوسيه من وزارة الخارجية لإبراز ان لنظامه حكومة مخولة ووزارة خارجية تضطلع بشؤون ومهام الدولة الخارجية، فيدخل ذلك الموقف الولايات المتحدة في معضلة  التدخل في الشأن الخاص بالطرف والجيش السوداني.

الدروس المستفادة من مؤتمر القاهرة.

كان على الولايات المتحدة الأمريكية لتصيب النجاح لمفاوضات جنيف أن تستفيد من نجاح  مؤتمر القاهرة في الجانب الشكلي بجمع الكتلتين المتنازعتين على السلطة إضافة لممثلين من المجتمع المدني في قاعة وأحدة بالقاهرة وقد سبق جمعهم مشاورات واتصالات عديدة قبل دعوتهم لمائدة المفاوضات ، كذلك كان عليها من الناحية الموضوعية النظر للنتائج فالنجاح في الجمع فقط ليس نجاحا في حد ذاته، فعقب انفضاض مؤتمر القاهرة فإن الجهود حتى الآن لم تبرح مكانها ، ذلك أن المؤتمر المذكور أستهدف الوصول إلى الحلول من خلال تجميع المشاركين والحالة الراهنة بالسودان تجاوزت هذه الافتراضات النمطية وقد حدثت عدة تحولات على الأرض ، على سبيل المثال مالك عقار يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة بموجب اتفاق سلام جوبا وفي مؤتمر القاهرة رفض الجلوس في مائدة وأحدة مع مجموعة تقدم وهو لا ينظر للحرب وآثارها المدمرة بل يعبر عن ذاته ومواجعه الشخصية وهو يقود حركة مسلحة فقدت كثيرا من تأثيراتها بسبب الانشقاقات المتعددة وصار يرتكز في الجناح المنشق الذي يقوده على أقلية من مجتمعات ولاية النيل الأزرق، وفي ولاية النيل الأزرق برزت مجموعات وقيادات محلية جديدة بخلاف الموالية لغريمه جوزيف تكا القائد الأبرز  ونائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الحلو ، كما وفي شرق السودان كمثال صار للقيادي شيبة ضرار نفوذا متزايدة في مخاطبة قضايا وأشواق مجتمعات البجة، وفي دارفور التي تزخر بتعدد القبائل فإن مخاطبة القضايا لم تعد كما كان عليه الحال في السابق وقد فقدت الحركات المسلحة الكثير من تأثيراتها وصارت المكونات الإجتماعية في دارفور  تنظر للحرب والحركات المسلحة من خلال رمزية القبائل وبالتالي صارت الغالبية الصامتة تعتبر المشاركات في السلطة مشاركات قبلية محضة كذلك الحركات المسلحة، لذلك قد لا تأتي مفاوضات جنيف القادمة بنتائج هامة وقد تنتهي نتائجها إذا شارك فيها البرهان وحميدتي أو تخلف أحدهما وشارك الأخر بإصدار البيانات التي قد لا تتجاوز الهدن والتعهدات الظاهرية بوقف الحرب فالاستعداد الفعلي للمعارك .

*تطوير مفاوضات جنيف .   صحيح إن أي مفاوضات أو تدابير يمكن أن تأتي بنتائج لوقف الحرب سواء تمت بمشاركة الأطراف أو من دونها أو سواء أن كانت برعاية الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها ستجد القبول من غالبية الشعب السوداني الذي عاني كثيرا من الحرب ، ولكن وقف الحرب المجدي بالضرورة يقود لعملية سياسية وليست عسكرية فنية محضة ، لذلك الوقف من دون فلسفة سياسية لتسوية الأزمة وعلاجها بصورة جذرية ستكون بمثابة رسائل مؤقتة للأطراف لرفع جاهزيتها واستعدادها للقتال أثناء فترة الوقف . لذلك على الولايات المتحدة حتى لا تفقد ميزة دورها المؤثر أن تمارس الضغوط على الدول التي تصدر السلاح للطرفين وتقود الجهود الدبلوماسية لمحاصرة طرفي الحرب والمساهمة في تقوية المنابر الداخلية، كما وعلى القوى السياسية والمدنية السعي في توظيف الاهتمام الأمريكي لإنتاج الحلول بنفسها فهذه الحلول لن تأتي بها الولايات المتحدة أو غيرها لتفرضها على الشعب السوداني . كذلك إن على الولايات المتحدة أن تنظر للمبادرات السودانية كالمبادرة التي أطلقتها حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور لحماية الفاشر وقد وجدت نقاشات معتبرة لدى فئات وقطاعات وأسعة من المجتمعين السياسي والمدني السوداني، وهنالك مطالب البجة التي يتحدث عنها شيبة ضرار وغيره ، فبحث هذه القضايا والمشكلات بصورة جذرية جامعة من منصة وأحدة تضمن المعالجات والتسوية المستقرة، وما لم يحدث ذلك ، وقد آلت الأمور لمنابر  النخب السياسية والمدنية ستتحول الظاهرة السودانية من حالة فوضى محدودة في إطار الدولة السودانية الواحدة إلى حروبات أهلية  بالسودان وإعادة لترسيم السودان ودول المنطقة وحزام الغرب الأفريقي، وبدلا من التعامل مع السودان كدولة وأحدة أو دول حزام الغرب الأفريقي الحالية بحدودها الجغرافية المعروفة ، سيُعاد انتاج نموذجي الصومال وليبيا في السودان وفي كل دول حزام الغرب الأفريقي الأخرى .

في المقال القادم سأتناول إيجابيات الاهتمام الأمريكي والمدخل الصحيح الذي يبدأ بمعسكري الحرب وعلى رأسهما حزب المؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي داخليا ودولة الإمارات خارجيا –  نواصل

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات