1/2/2024 8:10:31 PM
ولكي لانبتعد كثيراً عن مجريات مايحدث الان دعونا نطرح على انفسنا السؤال التالي :
هل هبط الجنجويد من الفضاء الخارجي مثل طيور اسطورية تحلق باجنحة قوية في سماء السودان وتنشر الرعب في ارجائه؟
الاجابة على هذا السؤال تستوجب قراة مختلفة لنسب الغول.تنظر في التفاصيل الحياتية التي انتجته قبل ان يصير بعبعاً يخيف الجميع.
الراحل محمد ابراهيم عبده كبج تامل نتيجة الشهادة السودانية للعام 1992وتوصل الى ان اي طالب من اقليم دارفور لايستطيع ان يدخل كلية علمية خاصة الطب والهندسة، وقال اننا بذلك نكون قد قتلنا مشروع اي عالم في هذا الاقليم. ثم وسع المنظار اكثر واكد ان اكثر الطلاب تميزاً لايستطيع ان يحرز اكثر من 62% في المساق الادبي، بالكاد تدخله كلية التربية الدلنج.
لكننا كعادتنا نهرب من مواجهة الحقائق
وننكر وجودها في نوع من الفهلوة، فعقب ذلك التاريخ قال البشير
لصحفية اجنبية سالته عن حقيقة التهميش في اقليم دارفور ،
بان دارفور بها 2 جامعة. وهذه حقيقة وكان في مقدوره ان يضيف بان جامعتا دارفور بهما كليات الطب والهندسة بكل اقسامها. ولكن الحقيقة التي لايستطيع ان يغطي عليها احد هي ان التعليم الاساسي والثانوي هناك لايمكن طالباً
من دخول تلك الكليات والتي اصبحت حكراً على طلاب قادمون من جغرافية انعم الله عليها بوفرة في المدارس الخاصة والتي اخذ المنتسبين اليها يتفوقون عام بعد الاخر في دخول الجامعات مقارنة بطلاب المدارس العامة في بلد تصرف فيه الدولة اقل من 2% على الصحة والتعليم.
وفي ولايات شبيهة بولايات دارفور مثل جنوب كردفان وغربها والتي يتكون من ابنائها قطاع كردفان في الدعم السريع يدخل المدرسة 2000 طالب يجلس منهم لامتحان الشهادة الثانوية 15 طالب في المساق الادبي. البقية يتقاسمها التسرب الصفي والفاقد التربوي. ولم تسال الدولة نفسها اين يذهب هذا العدد الكبير من اطفال اليوم وشباب الغد حتى فوجئت بهم يسدون عليها شوارع الخرطوم ويحاصرونها في القيادة العامة ويقطعون الطرق بين عواصم الولايات. فوجدت نفسها في حالة عجز تام في التعامل معهم. فهي لم تربيهم او تقدم لهم اي عون. وقد نشاوا في فضاءات مختلفة عن تلك التي يمكن يؤثر فيها الخطاب الاعلامي المركزي للحكومة والمعارضة ولا اظنهم يتابعون اذاعة ام درمان وبالطبع لم يستمعوا لمدائح حاج الماحي، ولاتربطهم اي معطيات مشتركة مع اندادهم في مناحي السودان الاخرى من اولائك الذين حظيوا بتعليم منتظم خلال عقدين من الزمان.
الدولة لم تكن تنظر للتعليم كواحدة من اهم ممسكات الوحدة الوطنية التي تستقبل الخامات البشرية لتضيف اليها قيمة الوعي وتخرجها من الجانب الاخر كمنتج مختلف عن ماهو سائد في
بيئة تغلب عليها الانتماءات الضيقة، ولكنها تعتبره خدمة هي ليست مستعدة لتقديمها بالمجان لكل من هب ودب ويجب على من يطلبها ان يدفع ثمنها.
. وبما ان نسبة الفقر المدقع التي تجعل التعليم لاياتي على راس اولويات الاسرة السودانية مرتفعة جداً فانها بذلك تكون قد وضعت 70% من سكان السودان خارج دائرة تاثير الخطاب الرسمي المشبع بقيم يحتاج ادراكها الى التعليم النظامي والمنهج الموحد بما في ذلك معطيات المشروع الحضاري الذي كانت تتوقع له ان يوحد اهل السودان وفق المذهب السني.
بل ان الانقاذ حين ظهرت نزر هذه الازمة التي تشير كل الدلائل الي انها في طريقها الى ان تصبح كارثة كبيرة اعتبرتها وقتها فتح من الله ونصر قريب، فقامت بتجنيد هذه المجموعات الشبابية الهايمة على وجهها خارج فصول الدراسة لمحاربة الحركة الشعبية.
والمحصلة النهائية هي ان قوام قطاع كردفان في الدعم السريع الان، هم مجندون سابقون في الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية وقوات المراحيل التي سلبت ونهبت ابقار الدينكا والنوبة بقيادة احمد هارون وغيره. وهذا الاخير مضى اكثر من ذلك في توظيف ماساة هؤلاء الشباب الذين انتظموا من قبل في تجارة السلاح والمخدرات وعرفوا طرقاً بعيدة عن رقابة الشرطة يستخدمها الان الدعم السريع في توصيل الامداد العسكري الى ام درمان، فقام بتجنيد كل قطاع الطرق ومعتادي الاجرام في الشرطة الشعبية والدفاع الشعبي واعطاهم رتباً عسكرية. وقد اشرت الى ذلك في التقرير الذي كتبته في صحيفة الميدان عن النزاع بين الحمر والكبابيش في العام 2016. وجاء تصريح احمد هارون في القناة السودانية وقتها مصدقاً لماقلته من معلومات. حيث اشار الى ان هذا الصراع بين اثنين من قطاع الطرق الكبار المعروفين وليس فتنة قبلية وهو ذاهب الي الابيض لوضع حد له.
وهؤلاء القادة الذين ذكرهم هارون هم من الاطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس في عقد التسعينات.
ولكنهم يحاصرون مدينة الابيض الان واحتلوا منطقة بليلة النفطية وهاجموا بابنوسة واشتركوا في حصار واسقاط فرقة نيالا العسكرية ولازال خطرهم ماثلاً في بادية كردفان.
ورغم كل ذلك فان الجهود الدولية والاقليمة المبذولة حالياً لوقف الحرب والتي ينشط فيها طاقم حكومة الفترة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك بانحيازه الواضح لسياسات السوق الحر تشير الى اننا ماضون باتجاه مايؤرق ضمير ابلة حكمت.