3/24/2023 5:42:22 PM
نشرة المرصد السوداني للشفافية والسياسات
العدد الثالث، 23 مارس 2023
تهدف هذه النشرة إلى إلقاء نظرة عامة على التطورات الرئيسية في السودان خلال الشهرين الماضيين إلى جانب تحليلنا لدواعي أهمية إعلام وإطلاع الرأي العام ومراقبي الوضع في السودان على التطورات.
1 ضوء في آخر النفق
مع تصاعد ضغوط القوى الداخلية، وعلى رأسها قوى الحرية والتغيير – 1 (المجلس المركزي)، وضغوط الشُّركاء الإقليميين والدوليين، تراجع البرهان وحميدتّي، اللذان كانا يهاجمان بعضهما البعض لأسابيع، عن حافة الهاوية وانخرطا في سلسلة من الاجتماعات مع المدنيين الموقعين على الاتّفاق الإطاري من أجل تسريع التقدّم نحو اخْتِتام العملية السياسية وإنشاء المؤسسات الانتقالية الجديدة بحلول 11 أبريل. وقد بشّر الاتفاق بتوافق آراء المؤسسة العسكرية والموقعين على الاتفاق الإطاري بشأن القضية الخلافيّة المتعلّقة بإصلاح قطاع الأمن. ولنأمل أن تسير الأمور نحو اخْتِتام العملية السياسية بُغية تحويل كل التوترات في الساحة السياسية إلى طاقة إيجابية خلال المرحلة المقبلة من الانتقا
ستظل هناك تحديات مُضنية، ليس أقلّها الأزمات الأمنية والإنسانية الشديدة، والأثر المدمِّر للفشل الاقتصادي، والمهمة الجسيمة المتمثّلة في تعزيز الانتقال الديمقراطي إزاء المفسدين، المسلحين والسياسيّين على حد سواء. ويجب إيجاد نُهُج تستوعب توقعات البعض في الكتلة الديمقراطية المنشقّة بشكل مسؤول بُغية توسيع مدى شمول العمليات الحالية.
2 المعركة على الخرطوم لن تقع
ما كان يُمكن لهذا التحول أن يأتي في لحظة أكثر ملاءمة. فقد عانت الخرطوم في ليلة الخميس 9 مارس، من عدد لا يحصى من حواجز الطرق وانتشار الشائعات بشأن انقلاب ثانٍ وشيك، أو مواجهة مفتوحة بين قوات الدعم السريع والجيش. ولم تكن المدينة تفتقر إلى متشائمين، حيث تزايدت في فبراير ومارس مخاوف الجمهور من اشتباكات مسلّحة وشيكة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وسعت منصّات وسائل التواصل الاجتماعي التي تلاعب بها فاعلون وعناصر يشتبه في موالاتهم لنظام البشير السابق، بهدف تضخيم المخاوف الحقيقية بشأن احتمال المواجهة إلى سُعار من خلال عرض مقاطع فيديو لمقاتلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وهم يطلقون صيحات الحرب. وعُرِضت تصريحات قديمة مسجلة على الفيديو للجنرالات المتناحرين خارج سياقها للإيحاء بأنهم إنما كانوا يتحدثون بشأن التوترات الحالية.
تنفس السودانيون الصُّعَداء عقب اجتماع عُقد في 11 مارس بين القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق عبد الفتاح البرهان والفريق محمد حمدان دقلو (حميدتّي)، قائد قوات الدعم السريع، وهو جيش الأمر الواقع الموازي. اتفق الجنرالان على تشكيل لجنة أمنية تضم قواتهما وقوات الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق جوبا للسلام من أجل مراقبة الوضع الأمني وحل المشكلات فور ظهورها. وجدد القائدان أيضاً التزامهما بالمواصلة في المسار المؤدي إلى إبرام اتفاق سياسي نهائي وضعوا أساسه في الاتفاق الإطاري في ديسمبر2022 مع قوى الحرية والتغيير – 1 الداعية للديمقراطية، إلى جانب جهات سياسية فاعلة ومدنيين آخرين. ويُملي هذا الاتفاق إنهاء النظام الانقلابي وانسحاب الجيش من السياسة، كما يمكّن من السيطرة المدنية على السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل كيان مدني ذي سيادة. وستُمثّل الأجهزة الأمنية في مجلس الأمن القومي والاستخبارات الذي يرأسه رئيس الوزراء
في الأسابيع والأيام التي سبقت اللقاء، تبادل كبار قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تصريحات مشفّرة يهددان فيها بعضها البعض، حيث صَعَدت التوترات الكامنة بين الخصمين إلى السطح. كان الخلاف يدور حول الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش المنصوص عليه في الاتفاق الإطاري. ويبدو أن البرهان والقادة الثلاثة الكبار في الجيش كانوا يلمحون إلى أن توقيعهم على الاتفاق النهائي مرهون بالاتفاق المسبق على الدمج السّريع لقوات الدعم السّريع خلال سنتي الانتقال. وأصبحت تصريحاتهم، التي غالباً ما يطلقونها في القواعد العسكرية وسط هتافات الجنود، أو أثناء تجمعات اجتماعية، مثل حفلات الزواج الجماعي، أكثر حدة بمرور الوقت؛ لكن الحضور أكد عدم وجود سند سياسي جماهيري حقيقي للجنرالات. وبحسب ما ورد، يفكّر حميدتي وشقيقه الأكبر الفريق عبد الرحيم دقلو، الرجل الثاني في قيادة قوات الدعم السريع، في جدول زمني يمتد لعقد على الأقل؛ كما عرّضا بنُظرائِهما في القوات المسلحة السودانية أمام جمهور محدود كذلك بوصفهم ساعين إلى "التشبُّث بالسلطة".
منحَ البرهان وكبار جنرالات الجيش قادة قوات الدعم السريع فوزاً سياسياً سهلاً من خلال ظهور البرهان وجنرالاته بوصفهم قادة مستعدين للتراجع عن توقيعهم على الاتفاق الإطاري إذا لم يتم الوفاء بشروطهم "لتوسيع قاعدة" الاتفاق والاندماج المعجّل لقوات الدعم السريع. وسمح ذلك لحميدتي وعبد الرحيم بالظهور كمدافعين عن انتقال السلطة إلى المدنيين وناصرين للتغيير الديمقراطي. وفي الواقع، يدلّ موقفهما على ضرورات البقاء السياسي لعشيرتهما في أعلى مستويات السيطرة العسكرية والسياسية أكثر من أي شيء آخر. وكلا موقعي القوة ضروريان للحفاظ على المصالح التجارية لعائلة دقلو، التي تعتمد على النفوذ الأمني والسياسي لقوات الدعم السريع. وقد امتدّت هذه الهيمنة الاقتصادية خلال المرحلة الأولى من انتقال ما بعد البشير، حيث تفاخر حميدتي بإقراض الأموال لبنك السودان المركزي وحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
بالنسبة للمعارضة، أي قوى الحرية والتغيير – 1، فإن شرط البرهان المتمثل في "توسيع قاعدة" الاتفاق الإطاري هو مُرادف لإضعاف التفاهُمات الواسعة التي التزم بها الجيش من خلالِ إجبار قوى الحرية والتغيير على قُبول الجّهات الفاعلة السياسية وأعضاء الحركات المسلحة في دارفور من أعضاء الكتلة المنافسة، أي قوى الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية في الحكومة المقبلة. وقد مهّد أعضاء هذه الكتلة الطريق لانقلاب أكتوبر 2021 من خلال دعوة الجيش لتولي السلطة بوصف ذلك الانقلاب الطريق المختصر إلى حل خلافاتِهم السياسية مع التيار الرئيسي لقوى الحرية والتغيير -1. وقد أصرّ الأخِيرُون على أنهم لا يرحبّون سِوى بالموقّعين على اتفاق جوبا للسلام، وزعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، جعفر المي
بذل الميسّرون والوسطاء الدوليّون للآليّة الثلاثيّة (الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية والأمم المتحدة) والرباعية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة
المتحدة والولايات المتحدة)، الذين ساعدوا أطراف الاتفاق الإطاري على التوافق، جُهداً كبيراً لإبقاء العمليّة السياسية على المسار الصحيح. من ناحية أُخرى، قامت مصر بالمحاولة تلو الأخرى للإبقاء على الجيش في موقع السيطرة على الانتقال الجديد، تغطّيه ورقة توت من الحُكم المدني، بما في ذلك من خلال دعوة مجموعة من أعضاء الكتلة الديمقراطية المتعاطفين مع العسكر وغيرهم من الجهات السياسية الفاعلة إلى القاهرة بغية تمتين صفوفهم خلف البرهان.
مع فشل إعلان القاهرة، انطلق مِنّي منّاوي ومبارك الفاضل المهدي ومبارك أَردُول وشخصيات أخرى من أعضاء الكتلة الديمقراطية يُكِيلون الاتّهامات لقوى الحرية والتغيير – 1 بتجيير موقف حميدتي لمصلحتهم، ويُحذِّرون من نتيجة كارثية إذا واصل الموقعون على الاتفاق الإطاري مسارهم بِدُون حصول شخصيات الكتلة الديمقراطية على مواقع نفوذ في النظام السياسي الجديد واحتفاظهم بها. ويبدو أن هذا هو الشغل الشاغل لوزير المالية، رئيس حركة العدل
والمساواة جبريل إبراهيم، وحاكم إقليم دارفور مِنّي مَنَاوي، الذي يرغب بالمثل في البقاء في منصبه والاحتفاظ بأحد مساعديه الكبار وزيراً للمعادن.
ساهم اجتماع 11 مارس في نزع فتيل التوتُّرات، الحقيقية منها والمفبركة، بشأن حرب المدن في العاصمة وخارجها. ومع ذلك، يظل الاستقطاب بين قوى الحرية والتغيير – 1 وحلفائها من الموقعين على الاتفاق الإطاري، من ناحية، وبارونات الكتلة الديمقراطية، من ناحية أخرى، أمراً معوّقاً كما كان دائماً
قعقعة السلاح تتحوّل إلى هوس على النطاق الوطني
على خلفيّة التّنافُس المتزايد بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وبيئة فراغ السلطة التي أحدثها النظام الانقلابي، ظهرت عدة ميليشيات إقليمية وإثنية جديدة في المجتمع السوداني المُفْرِط بالفعل في عسكرته. ويبدو أن الخصمين قد سعيا إلى تعزيز صفوفهما استعداداً لمواجهة نهائية. وبحسب تقارير إعلامية، سعى مسؤولون سابقون في نظام البشير بجد وراء الكواليس لصبّ الزيت على الجمر بهدف تخريب العملية السياسية الجارية واستعادة السلطة.
في منتصف مارس، ندّد محمود مادبو، ناظر قبيلة الرزيقات بولاية شرق دارفور، بحملات التجنيد واسعة النطاق لأبناء قبائل دارفور، التي قال إنها تجري في المنطقة. واتهم "أجهزة المخابرات" بتجنيد الشباب لتعزيز طموحاتها السياسية الخاصة حتى لو أدّى ذلك إلى المُخاطرة بتأجيج
النزاع بين القبائل في المنطقة، ودعا من يقومون بالتجنيد ومن يقفون وراءهم إلى الكفّ عن ذلك . ومعروف أن ماديبو دعم حميدتي في أكتوبر 2022 بقوّة، بعد أن أصبح واضحاً أن القوات المسلحة السودانية كانت تحاول تهميش قائد قوات الدعم السريع. ومنذ ذلك الحين، أشارت تقارير محليّة إلى تورُّط
القوات المسلحة السودانية في محاولات لتجنيد أتباع منافس حميدتي التاريخي، موسى هلال، أحد نُظّار الرزيقات وقائد الميليشيا، بُغية إحْيَاء قوّات حرس الحدود المنافسة التي دمجها حميدتي في قوات الدعم السريع بعد هزيمة هلال في 2018 . وأفاد فريق الخبراء التابع للأمم
المتحدة أن حملة تجنيد القوات المسلحة السودانية كانت تمثل رداً على حميدتي من جنس عمله.
غذّى ظهور التنازلات الممنوحة للحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في ترتيبات تقاسم السلطة والثروة خلال المرحلة الأولى من المرحلة الانتقالية، التي استمرت في عهد حكومة تصريف الأعمال بعد الانقلاب، استياء متزايداً في جميع الأقاليم الأخرى. وأدّى الفشل في دمج قوات الحركات الموقعة على اتفاق السلام في القوات المسلحة السودانية في الوقت المناسب إلى انْفلات جِماحِ هذه القوات، وتجوُّلِها مدججة بالأسلحة والآليات في أقاليم أخرى، وتجنيد الشباب في مناطق بعيدة عن المناطق التي نهضوا للدفاع عنها
في نوفمبر 2022، دشّن العديدُ من كبار الضباط المتقاعدين من القوات المسلحة السودانية "كيان الوطن"، وهي حركة سياسية مسلّحة حديثة النشأة تهدف إلى الدِّفاع عن مصالح المناطق الشمالية والوسطى والشرقية من السودان. ويتصدّر جدول أعمال المجموعة إلغاء اتفاق جوبا للسلام وإتاحة مساواة أكبر في توزيع السلطة والثروة بين جميع الأقاليم، وليس دارفور وحدها. وقامت"قوات درع السودان"، التي أُنشئت في ديسمبر أيضاً من قبل ضباط متقاعدين من القوات المسلحة السودانية، متبنيةً برنامجاً مطابقاً تقريباً لحركة "كيان الوطن"، بتجنيد المئات في منطقة البطانة في وسط السودان وسعت إلى توسيع نطاق تعبئتها السياسية وتجنيدها العسكري إلى ضواحي شرق النيل بالخرطوم . في كلا المنطقتين، شجب الزعماء التقليديون والمنظمات المجتمعية محاولات إعادة نشر النّزعة القبلية في مناطقهم وعسكرتها. ولكي لا يبزّه أحد، دعا شيبا ضرار، وهو زعيم لتحالف أحزاب وحركات سياسية في شرق السودان وقائد ميليشيا التحالف، أيضاً إلى إلغاء اتفاق جوبا للسلام وإعطاء الشرق نصيبه العادل في السلطة والثروة الوطنية. وفي وقتٍ لاحق، تزيّا ضرار بزي قائد كبير في القوات المسلحة السودانية، وعرض على وسائل الإعلام مجموعة من الجنرالات، ممن نصبوا أنفسهم، يرتدون زي القوات المسلحة السودانية.
صرح قادة الميليشيات الإقليمية الثلاثة في وسائل الإعلام بأنهم "ضد الميليشيات" في السودان، ولا نزاع لهم مع الجيش، وأعلنوا استعدادهم للاندماج في القوات المسلحة السودانية، لكن ليس قبل دمج الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام. وأعربوا جميعاً عن عدائِهم لاتفاق جوبا للسلام ورأوا أن التنازلات التي قدمت للحركات المسلحة الموقعة تأتي على حساب استحقاقات مناطقهم في الاستفادة من مواردها الطبيعية.
يتناقض تسامُح سلطات الانقلاب وردود فعلها الرّخوَة تجاه الميليشيات الجديدة بشكلٍ حاد مع العُنف الشديد الذي استخدمته لأشهر وسنوات في قمع الاحتجاجات السلمية المنتظمة لحركة الشباب المؤيدة للديمقراطية في العاصمة وفي جميع أنحاء السودان. ويُنظر إلى هذه المعاملة اللطيفة بوصفها دليلاً على محاولات ضباط القوات المسلحة السودانية، التي شجعها البرهان ومسؤولو نظام البشير السابق، بحسب ما ورد، من أجل تعطيل العملية السياسية، على الرغم من مشاركة القوات المسلحة السودانية في هذه العملية تُدِين وسائل الإعلام وكتّاب الرأي بانتظام تسامُح سلطات الانقلاب الواضح مع السلوك الإجرامي في كثير من الأحيان لإحدى الحركات الموقّعة على اتفاق جوبا للسلام، وهي الجبهة الثالثة تمازج. وقد عرض تقرير استقصائي حَسُن التوثيق ومعنوِن بما يلائم الحال "السودان: التجارة في الرتب العسكرية .. فوضى الميليشيات تتسلل إلى الجيش السوداني"، أدلة على بيع الرتب العسكرية وبطاقات الهوية والزي الرسمي من قبل أعضاء تمازج في الخرطوم وخارجها. وفي حادثة أخيرة، حاصرت عناصر من حركة تمازج مدججة بالسلاح أحد أكبر مراكز الشرطة في الخرطوم وهددوا باقتحامه بغية إطلاق سراح بعض من نصبوا أنفسهم جنرالات في تمازج وهم يَتَنقّلون في سيارة بدون لوحات أرقام. وقد أمرت قيادة الشرطة بالإفراج عن المشتبه بهم بغية تجنّب معركة بالأسلحة النارية في قلب العاصمة. وقد نأى كلّ من حِميدتّي وغيره من الحركات المسلحة في دارفور الموقعة على اتفاق جوبا للسلام بأنفسهم عن تمازج؛ وذكروا أو ألمحوا إلى أن المجموعة صنيعة إدارة المخابرات العسكرية التابعة للقوات المسلحة السودانية .
ناشد البرهان، في كلمة ألقاها أمام حشد تجمّع في 21 مارس في محلية أُمْ سَيّالة بشمال كردفان، زعماء القبائل بالتدخُّل الفوري لمنع النزاعات وحلها، ساعياً على ما يبدو إلى إبعاد الجيش عن أي مسؤولية عن الانتشار المُقْلِق للميليشيات وتوزيع الأسلحة على المدنيين. ويُظهر سِجِل القوات المسلحة السودانية منذ بداية الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في منتصف الثمانينيات، وسِجِل قوات الدعم السريع منذ إنشائها في عام 2013 أن القوتين كانتا، ولا تزالان، المحرّكين الرئيسيّين للتسليح الطائش للمقاتلين القبليين في جميع أنحاء السودان، وبالتالي ترك حبلهم على غاربهم. ويجب أن يشتمل إصلاح قطاع الأمن المُزْمَع في السودان على تسريح ونزع سلاح جميع الميليشيات القبلية والقوات شبه العسكرية بوصفها عناصر أساسية في عملية الإصلاح
ورش العمل بشأن العدالة الانتقالية: إعطاء صوت لمن لا صوت لهم
عُقد مؤتمر العدالة الانتقالية، وهو واحد من سلسلة مؤلفة من خمس مؤتمرات من أجل وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق الإطاري، في الفترة من 16 إلى 20 مارس. وقد مثّل هذا المؤتمر سَنام ستّ مؤتمرات إقليمية عُقدت في أقاليم السودان التاريخية الست وهي كردفان الكبرى ودارفور والنيل الأزرق والخرطوم ووسط السودان وشرق وشمال السودان. ومن ثمّ لا يتبقى سوى عقد المؤتمر الوطني حول إصلاح قطاع الأمن حيث عُقدت بالفعل المؤتمرات المعنية بتفكيك بقايا نظام البشير الكليبتوقراطي، ومراجعة اتفاق جوبا للسلام، ومشكلة شرق السودان يُعتبر النّهج المنطلق من القاعدة الذي اتّسمت به هذه المشاورات الإقليمية نهجاً جديداً. وقد تبنّاه تحالف من منظمات المجتمع المدني يركّز على العدالة الانتقالية ونجح في إقناع قوى الحرية والتغيير - 1 والآلية الثلاثية بأن من الضروري الوصول إلى أوسع قاعدة ممكنة من أصحاب المصلحة؛ وعكس الاختلافات في تجارب مختلف المجتمعات والمناطق مع الانتهاكات المنهجية والواسعة النطاق للحقوق في ظل نظام البشير وبعد سقوطه. وقد تيسّرت عملية العون اللوجستي الشاقة بفضل الدعم الكبير الذي قدمته الرابطات الدولية التي تركز على قضايا العدالة وسيادة القانون وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس).بينما سارت مؤتمرات وسط السودان (في الخُرْطوم) والنيل الأزرق (في الدّمازِين) ودارفور (في نِيَالا) وكردفان الكبرى (في كادُقْلِي) بسلاسة، حُظرت المؤتمران الخاصان بشرق السودان وشماله من قبل المسؤولين المحليين في كسلا وعطبرة. وللتغلّب على هذه العرقلة، قام المنظّمون بإحضار المشاركين إلى الخرطوم حتى يمكنهم إسماع أصواتهم.
سيكون النضال طويلاً من أجل تحقيق العدالة لضحايا الحروب التي خاضتها الحكومات المُتعاقِبة في الخرطوم ضد مواطنيها، لا سيما خلال العقود الثلاثة لنظام البشير. بيْدَ أن، المؤتمر الوطني للعدالة الانتقالية والمؤتمرات الإقليمية التمهيدية قد تساعد على ترسيخ تحالف واسع، من مجموعات الضحايا المُنظّمة في جميع أنحاء السودان ومناصريهم
المحليين والدوليين، الذي قد يكون فاعلاً محورياً في دفع أجندة العدالة الانتقالية في المستقبل.