5/20/2022 11:33:17 AM
الوثيقة الدستورية المعيبة اخطر وثيقة سياسية مرت على تاريخ البلاد منذ الإستقلال (٣).
الصادق علي حسن المحامي.
اصطلاحا في الفقه الدستوري يُطلق على الدستور الذي يصّدر بتشريع عادي في مرحلة ما قبل تأسيس الدولة بالدستور المؤقت ، كما ويُطلق على الدستور الذي يصدر بتشريع أساسى أو تأسيسي بالدستور الدائم وتنقضي الجمعية التشريعية التأسيسية بمجرد صدور الدستور الدائم لتدخل البلاد بعد ذلك في مرحلة البرلمان، والمقصود بمصطلح الدائم الإستمرارية بتعاقب الأجيال والزمان ، فتذهب الأجيال المتعاقبة كما ويذهب حكامها ويظل الدستور ساريا كما ويتم تعديله وفقا لأحكامه، فالدستور هو دستور الدولة يُوضع مواده بواسطة شعب الدولة وعبر ممثليه المختارين لهذا الغرض ويتم ذلك من خلال الجمعية التأسيسية وليس بدستور نظام حاكم او احزاب ليتم تغييره بتغيير نظام الحكم في الدولة ، والصياغة والإجازة والمصادقة والنشر من المسائل الفنية اللاحقة بعد ان يضع الشعب مواد الدستور الأساسية، كما ولا يوجد في الفقه الدستوري ما يُعرف بالدستور الإنتقالي، ولكن هنالك آليات الإنتقال في الفترة الإنتقالية و تُطلق على فترة التحول من الحكم العسكري إلى الحكم المدني بالفترة الإنتقالية وآلياتها التي تشكل لإدارة الدولة خلال الفترة الإنتقالية بمؤسسات الفترة الإنتقالية المكلفة (مجلسي السيادة المدني ومجلس الوزراء المدني) بموجب دستور السودان المؤقت لسنة ١٩٥٦م والمعدل في ١٩٦٤ و١٩٨٥م.
في ظل فترة النظام البائد اطلق طرفا إتفاق نيفاشا وهما النظام الإنقلابي البائد وكان يمثله علي عثمان محمد طه والحركة الشعبية لتحرير السودان وكان يمثلها د جون قرنق على ما اتفقا عليه في نيفاشا بكينيا لإدارة الدولة خلال فترة الشراكة بينهما بالدستور الإنتقالي وآليات إدارة الدولة السيادية والتنفيذية بالإنتقالية كما وجعلا من الإتفاقية وبروتوكولاتاها الموقعة بينهما مرجعية لدستورهما الإنتقالي وتسمو عليه والذي افضى لفصل جنوب السودان، لقد كان د جون قرنق الذي بدأ بإعلان حركته المسلحة في عام ١٩٨٣م وإعلان مقاومته لسلطة إنقلابية غير شرعية حاكمة للبلاد وقد اعلن في عام ١٩٨٥م لأسباب موضوعية عدم اعترافه ايضا بالحكومة المنتخبة والتي نشات مستمدة سلطتها من دستور السودان المؤقت لسنة ١٩٥٦م والمعدل في ١٩٦٤ تعديل ١٩٨٥م دون مشاركة قوى الحركة الثورية في جنوب السودان بقيادته والتي لم تشارك في الإنتخابات لتشملهم كسودانيين لضمان حقوقهم السياسية في الانتخاب والترشح، هذا وقد كان نواب جنوب السودان بالبرلمان في ١٩٥٦م قد صوتوا جميعهم لاستقلال السودان الذي اجيز بالإجماع وقد ضمنوا إعتماد نظام الحكم الفدرالي للبلاد، ولكن في ١٩٦٥م بدأ النكوص بالالتزام من لجنة تعديل الدستور التي شكلت وتوصلت في توصياتها بانها بحثت في حق الفيدرالية المكفول للجنوب إلا انها وجدت انه غير مجديا، وصدقة نبوة نواب جنوب السودان الذين وصفوا ذلك اليوم الذي اعلنت فيه توصية اللجنة عن عدم جدوى الفيدرالية لجنوب السودان باليوم الأسود كما قالوا وقتذاك بان إنفصال الجنوب سيحدث يوما ما وذلك ما حدث بالفعل في عام ٢٠١١م ، كما ان مسالة ان الفيدرالية مجرد وعد نكصت عنه لجنة تعديل الدستور لن ينهض كحجة ذلك ان الفيدرالية كاستحقاق لشعوب الأقاليم السودانية ثابت بتشريع اساسي صادر من جهاز الدولة المختص بالتشريع وبالإجماع ضمن التشريعات الأساسية الأربع (التشريع الأول) والتي شكلت الأساس الدستوري لقيام الدولة السودانية في ١٩٥٦م وصارت حجة على الكافة بينما قرارات لجنة تعديل الدستور مجرد توصيات لا تزيل اثر التشريعات الصادرة من البرلمان.
لقد ظلت مرجعية الأوضاع التي نشات في ظل إنقلاب البشير كلها باطلة وقد انشات بعضها مراكز قانونية دولية مثل دولة جنوب السودان، لذلك ما لم تستعد الحياة الدستورية للبلاد تظل الأوضاع الاستثنائية سائدة فتضعف وحدة البلاد، ولن يتحقق الوضع السليم في السودان إلا بإنتخاب الجمعية التأسيسية وفقا لقواعد تأسيس دولة السودان والتي بموجبها نال السودان استقلاله، ان الحق في تقرير المصير من حقوق الشعوب المكفولة بموجب وثائق الأمم المتحدة وفي حال جنوب السودان فان تقرير مصير جنوب السودان تم بآلية لا تمثل شعب السودان بل النظام البائد وممثله علي عثمان محمد طه، وفي عدم إستعادة الحياة الدستورية للبلاد وتفعيل دستور السودان المؤقت لسنة ١٩٥٦م والمعدل في ١٩٦٤ و١٩٨٥م تكريس للأوضاع الإستثنائية غير الدستورية فتخرج المطالبات بحق تقرير المصير مثلما حدث بجبال النوبة ومؤخرا بشرق البلاد وولاية غرب دارفور ويؤدي ذلك للمزيد من إضعاف تماسك الدولة وفقدان استقرارها كما الحال في شطري السودان بعد انفصال جنوب السودان .
قوى الحرية والتغيير :
التنظيمات السياسية التي شكلت قوى الحرية والتغيير كانت أظهرت إنتهازية وأضحة وبدلا من ان تتمسك قحت بالاستحقاق الدستوري من خلال استعادة دستور السودان المؤقت لسنة ١٩٥٦م والمعدل في ١٩٦٤ و١٩٨٥م والذي انقلب عليه البشير من خلال استعادته إلى العمل باعتباره حجة على الكافة بمن فيهم العسكر ولا مكان لهم فيه لتبوء مواقع دستورية ليتحولوا إلى سياسيين لولا أصرار المدنيين على طرح مسالة التفاوض حول دستور جديد مع العسكر بلا مرجعية صحيحة وانتحلت قحت لنفسها صفة تمثيل ثورة دبسمبر المجيدة كما واستغلت ظروف فض الإعتصام للحصول على مكاسب سلطوية و اغتنام المناصب الرفيعة في الدولة من خلال شراكتها مع عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد ، ونجحت عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد المتمرسة في الاحتيال السياسي في استغلال ضعاف النفوس من منسوبي قحت وفي خلق حاضنة من قوى محسوبة لثورة ديسمبر المجيدة في الخروج من المأزق الخطير الذي وقعت فيه من جراء نتائج مجزرة فض الاعتصام كما واستغلت عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد تهافت رموز وقيادات قوى الحرية والتغيير وإستغلالها في تمرير مخطط لقطع الطريق امام اي ملاحقة جنائية جادة لمرتكبي اكبر مجزرة بشرية ارتكبت في تاريخ السودان ووقعت أمام القيادة العام لقوات الشعب المسلحة ومكتب قائدها العام عبد الفتاح البرهان ، ومن خلال تهافت متهافتي قوى الحرية والتغيير تمكنت عناصر اللجنة الأمنية من تقنين إنقلاب البشير الذي حدث في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م بالإنقلاب على إستعادة الحياة الدستورية للبلاد بوثيقة دستورية باطلة اسبغت على فترة إنقلاب الإنقاذ مشروعية زائفة كما ومن خلال الوثيقة الدستورية المعيبة صارت التدابير الباطلة التي اصدرها البشير طوال فترة إنقلابه لها صفة المشروعية الزائفة وقد ظل قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية الذي اصدره البشير ساري المفعول وينظم النشاط السياسي في ظل عهد الثورة كما كان الحال في ظل عهد البشير، وبموجب الوثيقة الدستورية المعيبة تم تكوين لجنة للتحقيق في مجزرة فض الإعتصام قام بتكوينها رئيس الوزراء د عبد الله حمدوك وكان لتكوين تلك اللجنة برئاسة الأستاذ نبيل اديب وبموجب القرار الإداري الذي اصدره رئيس السلطة التنفيذية ثم منح النائب العام سلطات النيابة العامة في التحقيق للجنة اديب حدوث المزج ما بين الإداري والقانوني ونتج عنه المزج السباسي بالقانوني ومن هذين المزجين تم التسويف في اعمال اللجنة التحقيق بصرف الجهود في سماع اكثر من ثلاثة الف شاهد بحسب ما صدر من اللجنة وكميات ضخمة من الملفات والمستندات َوالمعروضات وعينات ترسل لمعامل الخارج لفحص الأدلة وفي واهمال الدليل الرئيس الذي يحتاج لكل هذه الجهود والذي يتحقق بالتحقيق مع المجلس العسكري حول من الذي اصدر قرار فض الإعتصام ومن الذي نفذه.
ونواصل
المراجع
دستور السودان المؤقت لسنة ١٩٥٦م والمعدل في ١٩٦٤ و١٩٨٥م.
ورقة بعنوان المدخل الصحيح للتأسيس الدستوري السليم للأستاذ يوسف آدم بشر.