1/21/2024 9:26:25 AM
مع منافقة الجماهير....(عدا المؤتمر الوطني).
الابيض: قرشي عوض.
جبهة القوى المدنية الديمقراطية(تقدم) يبدو أنها لم تقطع مع طرائق التفكير القديمة لتحالف الحرية والتغيير وحكومة الفترة الانتقالية التي سعت لترسيخ الشراكة مع اللجنة الأمنية للنظام السابق مع منافقةالجماهير تحت شعار(عدا المؤتمر الوطني) . وهي في الحقيقة كانت تخدع نفسها حين ظنت ان رفضها التحالف مع المدنيين من الفلول سيغطي علي تحالفها معهم وهم في زيهم العسكري. ولم تستفد تقدم من تلك التجربة وظنت ان الجماهير لاتتعلم من التجارب مثلها حتى بعد ان أثبتت الممارسة العملية المتمثلة في انفراد العساكر بالسلطة معظم الفترة الانتقالية ان لافروق تذكر بين البرهان وعلي كرتي وياسر العطا وأحمد هارون .ولم يعد خافياعلي كل صاحب بصيرة ان( الجرجرة)التي يمارسها البرهان في المنابر الدولية والإقليمية كان الهدف منها ان تأتي التسوية القادمة وهي تتضمن تصريحا لاتلميحا مشاركةالمؤتمرالوطني في السلطة الانتقالية القادمة ويختفي ذلك ا لاستثناءالمفتعل والذي لاداعي له.(عدا المؤتمر الوطني).
ولو ان (تقدم) اكتفت في دعوتها لمقابلة قيادات النزاع بوقف الحرب لكان في الإمكان الظن بأنها تفتح الباب لمراجعة أخطاء الماضي وعلي رأسها شراكة الدم .ولكنها بدلا من ذلك طرحت برنامج للانتقال .كما إغفلت محاسبةمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والذين يقف علي رأسهم الجنرالان البرهان وحميدتي. والمعروف أن لا أحد يمكن أن تتم مناقشته حول محاسبته .فهذا ربما يدخل في باب عدم اللياقة .لذلك فإن عدم التطرق لهذا الجانب علي الأقل في اللقاء الذي جمع (تقدم) مع حميدتي يعتبر مفهوم .
هذا علي الرغم من أن الدعوة واللقاء مع حميدتي قدتطرقا الي جانب وقف اطلاق النار الي نقل السلطةالي حكومةمدنيةوابتعادالعساكرعن السياسة. لكن دون تحديد آليات تنفيذ هذا الانتقال الا ان كانت (تقدم) تثق في تعهدات العساكر استنادا إلي سابق تجربتها معهم مع أن تلك التجربة بالتحديد تدعو للحيطة والحذر. ولذلك لانظن ان نتائجها قد سقطت
عن ذاكرة المفاوض (التقدمي). والأرجح ان (تقدم) تضمرالشراكة المستقبلية مع العساكر والمليشيا وتصرح بالتبرو منها في العلن. وقد رأينا من خلال تجاربنا السابقة معها علي الأقل في الاتفاق الإطاري كيف يمكن اكل الكيكة والاحتفاظ بها في نفس الوقت . فقد تم النص صراحة بابتعادالعساكرعن المشهد السياسي مع وجود جنرالات اللجنة الأمنية في مجلس الأمن والدفاع بصلاحيات دستورية منصوص عليها في الاتفاق نفسه .ووفق تلك الضمانات لايجوز لرئيس،الوزراء الذي نصبه الاتفاق قائدا عاما علي القوات الأمنية ان يتخذ قرار دون أخذ موافقة قادة الجيوش. من غير أن يحدد الاتفاق طبيعة القرار طبعا منعا للحرج .ولكن من صيغة الشراكة السابقة في الوثيقة الدستورية فإن القرار المقصود والذي تجب فيه أخذ موافقة قادة الجيوش والإشارة هنا بالطبع للبرهان وحميدتي ولا أظنها تتسع لتشمل الطاهر حجر او حتي مناوي ومالك عقار هو القرار ذو الطابع السيادي الذي يتعلق بالسياسة الخارجية وبنك السودان والقضاء والنيابة والأمن والدفاع .
لتصبح السلطة المدنية سيادية شكلا وتنفيذية مضمونا تقوم بأعمال البلديات من صيانة الطرق والكباري وشبكات المياه والكهرباء وتحصيل الجبايات.
مايثيرالريبة ويعضد ماذهبنا اليه هو موافقةحميدتي علي انتقال السلطة للمدنيين وفق صيغة الخداع المعهودة(عدا المؤتمر الوطني ) دون قيد او شرط. وكأنه قد خاض هذه الحرب حتي لو صدقنا انه لم يكن البادي بها لأجل عودة المدنيين الي السلطة . وهذا يدعو للشك المعقول بانه يستبطن طبيعةالسلطةالتنفيذية بلا صلاحيات سيادية كماتضمنتهاالوثيقةالدستورية. باعتباران امرالسيادة محسوم والتصريح به يفسده مثله مثل الحب.
وكذلك رحب البرهان باللقاء مع (تقدم) بعد ان وضع العراقيل المألوفة لعدم الوصول الي اتفاق فيما هو مهم وهو وقف الحرب .وقفز مباشرة الي هدفه السياسي الذي قامت أجله الحرب وهو إنهاء النزاع وفق تسوية سياسية لاتسثني احد والكل يعلم من هو ذلك الأحد. (علي طريقة الخواجةكوهين ينعي ابنه ويصلح الروادي).
طرح مطلب وقف الحرب وفق تسوية سياسية تنقل السلطة للمدنيين بلا توضيحات لازمة طريقة خبراتها الجماهير خلال الوثيقة الدستورية والاتفاق الإطاري وهي وثائق تسلب بالشمال ما تقدمه باليمين . و تمثل طريقة المجتمع الدولي ودول الترويكا بالتحديد في التعامل مع النزاعات الاقليمية كما تعكس ذلك التجربة الليبية. والتي تقوم علي جمع أطراف النزاع كلهم في السلطة وفق صيغة مخاتلة الهدف منهامنافقةالجماهير.
مثل تلك التي وردت في الاتفاق الإطاري. والمجتمع الدولي يحاول بذلك التنصل عن التزاماته القانونية والسياسية والأخلاقية ليس بسبب تعقيدات الصراعات التي يعمل علي معالجتها ولكن لأن تلك المعالجات تتعلق بتوازنات القوة السياسيةداخل مجلس الامن والمنظمات الاقليميةالتي تنوب عنه في كل اقليم مثل الاتحادالافريقي. لذلك فإن (تقدم) في الحقيقة تسعي لوقف الحرب عبر عملية سياسية بمشاركة الجنجويد والفلول وبدفع دولي واقليمي . وربما تقتصر تلك المشاركة علي تيار في الحركة الإسلامية وتستثني البعض خاصة المتورطين في صفقات السلاح التي تصل إلي حماس .
لذلك فإن انتظار سلطة انتقالية لا يشارك فيها المؤتمر الوطني عملية لن تحدث وفق الجهود التي تقودها جبهة القوى المدنية الديمقراطية ومن خلال التسهيلات الدولية الحالية والتي تنطلق من ضرورة جمع أطراف النزاع كلهم وخلق سلطة انتقال منهم دون التمييز بين الضحية والجلاد. والطريق الأمثل هو الضغط الشعبي علي المجتمع الدولي وإحراجه حتي يقوم بواجبه المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني دون التفريط في السيادة. وهذا يتطلب من الأحزاب السياسية ان تتصدر المشهد وتقدم اجابة واضحة علي السؤال المطروح منذ الاستقلال. وهو كيف يحكم السودان. وان لا تترك هذه المهمة للخبراء والناشطين في المجتمع المدني. هذا وحده ما يجعل التدخل الدولي حميدا ويلتزم جانب الشرعية الدولية ويخدم في نفس الوقت قضية التغيير الاجتماعي الديمقراطي. ويحافظ علي وحدة البلاد واستقلالها.