7/3/2023 1:48:10 PM
الحالة السودانية والهدر الانساني
اضطلعت علي مقنطف من كتاب بعنوان " الإنسان المهدور" للدكتور مصطفي حجازي ولاهمية النص ساورده ومن ثم احاول انطلاقا من بعض فرضياته فتح نقاش عن الحالة السودانية ،
(في حالة العصبيات يُقيد الانتماء ويُحصر ، وبالتالي يُحجر على الانطلاق في المدى الكوني الرحب .يتدهور مفهوم الوطن أو يغيب مادام الوجود والمرجعية تظلان للقبيلة أو العشيرة أو الطائفة أو المنطقة . إنها حالة حصار تفرض على الإنسان عضو هذه العصبية . يكمن في هذه الوضعية أحد الأسباب الكبرى التي تحول دون تحوّل الدول الى أوطان بمعنى الكيان والمرجعية الفوقيين اللذين يتجاوزان الانتماءات الضيقة . ويظل الوطن الذي لم يتكوّن رهينة تصارع العصبيات على غرار تصارع القبائل في البادية على الكلأ والماء .
على أن الاستبداد حين يصل حد الطغيان ، وحين تحيط المخابرات بالإنسان من كل مكان وتُحصى عليه أنفاسه ، وحين يُعتبر السلطان بأنه مالك للأرض وما عليها ، وبالتالي مَن عليها ، وأن كل غنم يصيب إنسان ما هو مكرمة أو منّة منه ، وأن له حق التصرّف بالموارد والثروات والمقدرات والمصير والبشر ، يُهدر حق انتماء الإنسان ويُصادر حقه البديهي بالمواطنة . يصبح الإنسان غريبًا في وطنه فاقدًا للسيطرة على مجاله الحيوي وبالتالي محرومًا من الانطلاق الواثق في هذا المجال الى مجالات أرحب ، ومحرومًا من الإنغراس الذي يوفر الثقة القاعدية بالكيان والاحساس بالمنعة . تتحوّل المواطنة من حق أساس إلى منّة أو هبة يمكن أن تُسحب في أي وقت . وبالتالي يُسحب من الانسان الحق في أن يكون ويصير من خلال ممارسة الإرادة والخيار وحق تقرير المصير . إنها كارثة وجودية أخرى تجعل من أي مشاريع تنمية أو إنماء وعمران حديث خرافة . ذلك أن الإنسان المُستلب في وطنه ومجاله الحيوي لا يمكن أن يُعطي ، وبالتالي أن يبني . يقنع في أحسن الأحوال بالتفرُّج السلبي في حالة من الغربة ، كما ينحدر الوجود إلى مستوى الرضى بمكسب مادي يغطي الاحتياجات الاساسية . وقد يستجيب الإنسان لهدر مواطنيته وانتمائه في أن يتصعلك مُتنكرًا لشرعية السلطان وناسه وصولاً إلى التنكر للوطن ذاته في نوع من الهدر المُضاد . إلا أن أشد درجات الهدر المضاد قد تتخذ طابع هدم الهيكل عليه وعلى أعدائه فيما بدأ يشيع من سلوكات تطرف جذري .
المصدر: مصطفى حجازي, الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية، المركز الثقافي العربي، ٢٠٠٦.)
كما هو معلوم أن التركيبة السكانية للسودان تكونت من قبائل شتي بعضها كان موجود في السودان قبل ان يكون بشكله الحالي والبعض الاخر نتيجة لهجرات قديمة من داخل وخارج القارة ولكن مما لاشك فيه ظل الانتماء القبلي والمناطقي اقوي من الانتماء للوطن ككل لعدة اسباب اهمها ان القبيلة كانت ومازالت تقوم بجزء كبير من واجبات الدولة كالحماية وتوفير وسائل الإنتاج من اراضي زراعية ورعوية كما أن اغلب الخدمات من توفير مياة أو مراكز صحية أو مدارس كانت ومازالت تتم بمبادرات من زعماء القبائل( فهم من يسعون الي الخيرين والمنظمات للمساعدة في توفير اغلب الخدمات في قراهم )،فالوطن بالنسبة لقاطن القرية أو الحلة المعينة هو منطقته وقبيلته وزعيم القبيلة ، وحتي لو انتقل هذه الشخص الي المدينة أو شبه المدينة يظل انتماءه لقبيلته ومنطقته اكثر وغالبا يعيش غريبا في تلك المدينة .وقد يلاحظ أن السؤال عن مسقط راسه وقبيلته حاضرا دائما في المعاملات الحكومية حين يقدم طلبا لوظيفة أو في إجراءات الشرطة و النيابة من بلاغات أو شهادة أو حتي ضمانة،فيتم تذكيره دائما انه كائن عشائري وليس كائن متمدن.
كما أن الانظمة الدكتاتورية التي حكمت السودان منذ عام 56 وتملكت الأراضي والسلطة وسأغت القوانين حسب مصلحتها واشعلت الحروبات ليس دفاعا عن المواطن إنما دفاعا عن بقاءها وهيمنتها خلقت هوة عميقة بين المواطن والوطن وجعلت انتماؤه للقبيلة اقوي وأضعفت انتماءه للوطن الذي لايمثل مصالحه واشواقه في العدالة الاجتماعية وأن يعيش كبقية شعوب العالم .
كما أن الحكومات المتعاقبة لم تكن تتذكر المواطن الا في حالات الحروب التي هي اغلبها داخلية استخدمت فيها القبلية كسلاح موجه من الحكومة مستخدمة مجموعات تناصر الحكومة ضد مجموعات تقاتلها،واقرب مثال عندما جنددت حكومة البشير حرس الحدود و الدعم السريع ليقاتلا بالنيابة عنها في دارفور والان يتم استنفار القبائل للقتال ضد الدعم السريع ،بطريقة تدل علي تجريب المجرب ،ونطالع البيان الصادر المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية في جنوب دارفور والمناصر للدعم السريع يدق ناقوس الخطر وينذر ببداية الحرب الاهلية التي قد تعم كل أنحاء البلاد وترجع السودان قرونا الي الوراء.